باحث عن قرض أصغر
مثل أي مواطن أثقلته متطلبات الحياة الضروريّة وغير الضرورية , وعلى اعتبار أنّ مؤسسات وشركات وبنوك الإقراض في الوطن لا ترّد راغب في خدماتها الّا وتلبي احتياجاته . ولأنّي أعرف جازما أنّ الاستدانة تكون في البداية صعبة , ثمّ لا يلبث الانسان أن يتعوّد على اقتطاع الاقساط من راتبه الشهري ومطالبات الدائنين لنقودهم التي تتبخّر بسهولة شديدة في ظلّ ارتفاع الاسعار ، وتمشيا مع المثل القائل ( ان كان دين اكتب رطلين ), ولأنّي أريد أن أحصل على قرض صغير لمشروع صغير لا تحتاجه مدينتنا ولن أقوم بإنشائه . ونظرا للدعاية العظيمة التي قامت بها وسائل الاعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة والمحاضرات والندوات التي مجّدت شبكة التمويل الأصغر والتي بيّنوا فيها أنّها تضمّ في عضويتها عدد من الشركات الاقراضية غير الربحية والتي تهدف الى تنمية المجتمعات المحليّة والقيام بمسؤوليتها الاجتماعية للأفراد في الأردن ، وانّها تخضع لرقابة البنك المركزي من خلال نظام شركات التمويل الأصغر منذ سنين . قررت أن أختار احداها ، لأتعّرف على شروط الحصول على القرض .
استقبلني على بوّابة احداها رجل في العقد الرابع ، حاول أن يبتسم في وجهي وسألني بلهجة اردنيّة سرعان ما اكتشفت أنّه متقاعد من القوى الأمنيّة . سمح لي بالدخول وعلى محيّاه رأيت هول الحياة والذل بعد العزّة . في قاعة الاستقبال ، حيث ينتظر بعض النساء ، جلست فتاة خلف الحاسوب ، حاولت جاهدة أن تغيّر شكل وجهها بمساحيق مختلفة الالوان فلم تفلح . سألتني ، واجتهدت أن تقلب في الكلمات حرف القاف الى همزة ، فلم تتمكّن من اخفاء أثر اللهجة القرويّة . أجبت أنّي أريد قرضا من شركتهم الموّقرة ، الرافعة من شأن أبناء الوطن والخافضة للبطالة . أشارت لي ، كي لا تتعب نفسها معي ، أن أدخل الى مكتب تفوح منه رائحة عطر نفاذة ، تجلس فيه امرأة ، يبدو أنّها بعد أن أتّمت التمارين في نادي اللياقة , ذهبت الى صالون تجميل تدفع فيه شهريّا أكثر من القرض الذي أتيت من أجله . قالت تفّضل وقلبت الضاد دال ، بدلال .
شرحت لها قصدي من الزيارة . أجابت أنّ شركتهم لا تقّدم الّا قروض من أجل مشاريع صغيرة ، يمكن أن تدر دخلا على أسرة محتاجة فتكفيها ذلّ السؤال ، وأنّ القيمة العليا لقروضهم الفي دينار والسفلى خمسمائة ، ثمّ بيّنت الشروط الواجب توفّرها في طالب القرض ، والتي لم تكن موجودة فيّ ، وتفضيلهم أن تكون المقترضة امرأة . حينها ستسهل عمليّة القرض ، ولن يطلبوا كفيلا ولا حتّى اثبات دخل . ثمّ حسبت الأرباح . تفاجأت وقلت ولكنّكم شركة غير ربحيّة . القت القلم على الطاولة وطلبت لها قهوة بدون سكّر ، معلنة رفض طلبي . بدأت تحّرك يدها على شاشة التلفون ، وانسحبت أنا بهدوء .
خرجت من بوّابة شركة مثلها مثل كثير من المؤسسات ، تجذب الناس . توّرطهم بالحصول على قروض صغيرة ، تربح منها كثيرا ، تطالبهم بسدادها من ارباح المشاريع التي لم يقوموا بتأسيسها ، فلا يستطيعوا . تقدّمهم للقضاء الذي سيحكم حتما بدفع الأموال الى شركات الاقراض الصغيرة , ويضيف عليها اتعاب المحاماة ورسوم المقاضاة . ناسيا أن يسأل القاضي نفسه هل يستطيع المقترض بقيمة القرض الصغيرة جدا أن يقيم مشروعا ، لم يتابع تأسيسه أحد ، فيعيش منه ويدفع الأقساط الشهريّة للشركة المقرضة .