ماذا بعد تغريدة ترامب حول ضم الجولان؟
منذ عقود لم نسمع خبرا هاما عن هضبة الجولان السورية في وسائل الاعلام العربي والعالمي، إلّا ما ندر، وبدا أن أمر احتلال هذا الجزء من الوطن مؤجل إلى ما شاء الله، وإنه واقع لا يمكن زحزحته أو الهروب منه، طالما يرزح باقي الوطن تحت نير نظام غاشم ومستبد، وفي ظل استمرار النظام في حربه على الوطن، والشعب، وقيامه بتهجير ما يقترب من نصف الشعب، وقتله مئات الآلاف منه، ما أسفر عن فتح بوابة الوطن السوري على مصراعيها، لترتع فيه القوى الظلامية، والطائفية، والقوى العالمية والإقليمية، مما يبعد تحرير الجولان ويصبح خيالا من ضروب المحال.
اُحتلت الهضبة السورية خلال حرب الأيام الستة عام (67)، في خلال أربعة أيام من قيامها، وثار- تاريخيا- جدلٌ حول ذلك، حتى قيل إنها سُلّمت، ولم تُحتل، إذ أٌعلن عن سقوطها قبل وصول العدو إليها. تبلغ مساحتها أقل من 1% من مساحة الأرض السورية، لكنها بموقعها الشاهق تمثل قيمة أمنية استراتيجية في الصراع، يدرك الطرفان أهميتها، فهي من جهة تطل على الشمال الفلسطيني كاملا، ومن الجهة الأخرى تتكشف أمامها الأراضي السورية حتى العاصمة دمشق، فضلا عما تملكه من قيمة كبيرة في مجال الأمن المائي.
عام 81 أعلن رئيس وزراء إسرائيل وقتذاك مناحيم بيغن عن ضم الجزء المحتل من الهضبة من طرف واحد، لكن هذه الخطوة لم تحظى باعتراف أحد حتى الولايات المتحدة نفسها، وقوبلت الخطوة بالإدانة التامة من العالم أجمع، وأصدر مجلس الأمن قرارا يرفض ما يترتب على هذه الخطوة من ترتيبات أو تغييرات، واعتبر قرارها بإنه باطلٌ إداريا وقانونيا، وطالبها بالتراجع عنه فورا.
عام 91 عُقد مؤتمر السلام في مدريد، بحضور الأطراف المعنية والفاعلة على الساحة الدولية، وكانت المفاوضات تجري في مسارات متوازية، بل متنافسة، أسفرت بعد قليل عن أوسلو (93) مع الفلسطينيين، ووادي عربة (94) مع الأردن، وكان التفاوض على المسار السوري على وشك أن يسفر عن نتيجة مهمة مشابهة، يتضمن تعهدا إسرائيليا بالتخلي عن الجولان فيما سُمّي وقتها بـ "وديعة رابين" لكن الوديعة نفسها دفنت مع صاحبها الذي اغتيل عام (95) من متطرفين صهاينة ولم يعترف بها احدٌ من بعد.
فجأة يغرد أو يعربد الرئيس الأمريكي الحالي عن الجولان، مما يثير شديد القلق، ويخشى الجميع من خلط الأوراق بشكل فج: "بعد 52 عاما، آن الأوان للولايات المتحدة الاعتراف الكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المهمة استراتيجيا، والتي تتميز كذلك بأهمية في مجال أمن الدولة الإسرائيلية والأمن الإقليمي" مما دفع بالاسم والخبر من جديد إلى واجهة الأحداث، لإدراك العالم والعرب أن الأمر قد لا يكون مجرد تويتة عابرة -ويا دار ما دخلك شر- بل خَبَرَ الناسُ أن سيد البيت الأبيض لا يغرد عن هوى، بل يمكن أن ينبئ -حقا- عما ينوي القيام به، فالرجل يبدو -اليوم - وكأنه بُعث ليحقق آمال وأماني الدولة العبرية العراض، وما موضوع الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان عنا ببعيد، وما إيقاف الدعم للأونروا فورا بغريب، وتم اغلاق مكتب المنظمة التي حصلت عليه بِشق الأنفس، وبعد جهود مضنية من المفاوضات، ويعمل الآن على الغاء الاعتراف باللجوء الفلسطيني، مستثنى 30000 من الأحفاد، فيتم شطب الملايين بضربة واحدة ،كما أنه أقال وزير خارجيته بتغريدة، فكل ذلك يوحي أننا أمام قوة منفلتة، غاشمة، لن يردعها قرارات دولية، ولا شجب أو تنديد، أو قيم وأعراف، أو لغة ضعيفة -لا تغني ولا تسمن من جوع- لكن على الطرف الضعيف أن يلعق جراحه.
منذ عام (73) لم يسمح النظام السوري لطائر أن يرفرف بجناحيه باتجاه الجزء المغصوب من الوطن، وكان هناك دائما خبرٌ من سطر واحد يتكرر بــ روتين ممل" وافق مجلس الأمن بالإجماع على تمديد بقاء القوات الدولية ستة اشهر أخرى" -علما بأن عدد هذه القوات بكل موظفيها مدنيين وعسكريين لا يتجاوز 1200 رجل- وبقي التجديد لها تلقائيا كل نصف عام منذ فض الاشتباك عام (74) دون نقاش، واُعتبر هذا الوضع من أفضل ما يحيط بعمل القوات الدولية في كل مواقعها على مستوى العالم، حيث أن حادثا واحدا وقع في الجولان، لكنه كان ناجما عن حادث تدهور، قتل فيه جنديان نرويجيان، أمّا بعد اندلاع الثورة السورية، والتدهور الأمني في المنطقة منذ آذار(2011)، اختلف الأمر تماما، وزاد التوتر، فتعرضت لبعض الحوادث، حيث قامت النمسا والفلبين بسحب قواتهما من المنطقة.
وحيث أن الأمة العربية عامة تعيش أحلك الظروف من الفرقة والاستبداد، والمماحكات الداخلية والبينية، فإن تحرير الجولان، وغيره من الأرض العربية، خارج اطار الحسابات لدى الأنظمة، أمّا الأهم على الاطلاق، فإن الأمة في مرحلة تحوُّل لتصنيف الأعداء، يصاحب ذلك تسابق الأنظمة باتجاه التطبيع مع العدو الذي يحتل الجولان وغيره، وباتوا يتنافسون في التطبيع بمستويات مختلفة؛ بعضها يجري سرا، وأكثرها علنا، لا يعرف خجلا، بل صار شكر العدو وتحريضه وتمجيد ما يقوم به، اصبح ديدن فئة ضالة من الأمة، تبحث عن الشهرة المقيتة أو مكاسب دنيئة.
ينتظر العرب اليوم ما يسمى "صفقة القرن" على أنه قدر مكتوب ما منه مهروب، بل يحاول كل طرف فيهم أن ينهض بدوره، كما رُسم له، وتمارس شتى الضغوط على الطرف الضعيف، وتبدو الأمور بأننا نقايض مصالحنا بعضها ببعض، بل ربما دفعنا تعويضات لأنفسنا، أو لعدونا، فواعجبا من أمة تضع بيضها في سلة أعدائها وتطلب لديهم العدل والانصاف.