جلالة أبا الحسين صدق شعبه ولن يخلف وعده
جلالة أبا الحسين صدق شعبه ولن يخلف وعده
مهدي مبار عبد الله
منذ فجر التاريخ والأردن ممثل بملوكه الهاشميين لم يتوانى للحظة عن دعم القدس ومقدساتها وبذل الغالي والنفيس في سبيل نصرة القدس ودعم أهلها في مواجهة الاحتلال ومخططاته التهويدية المتربصة بالقدس عامة والأقصى خاصة وفي حديث مباشر وصريح لا يحتمل التأويل والتحوير خلال لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني مع بعض الفعاليات الرسمية والشعبية في محافظة الزرقاء أكد جلالته بلغة بسيطة مفعمة بجزالة المعنى وعمق التعبير تقطع كل قول بعدها وتسمو فوق كل تفسير وتبرير بعيدة عن منطق الشائعات الهدامة ولغة التشويش المربكة وأساليب الدس والتهويل حيث بين جلالته بان هنالك ضغوطا تمارس على الأردن وعليه شخصيا فيما يتعلق بقضية القدس والمقدسات وقد صرح في ذات الوقت انه لن يغير موقفه بالنسبة للقدس وإنها خط احمر وان موقف الهاشميين من القدس واضح وعلينا واجب تاريخي تجاه القدس والمقدسات وشعبي كله معي وان كل الأردنيين متوحدون عند القدس وانه يدرك التصعيد الذي يحدث في القدس بسبب الانتخابات التي تجري هناك وبهمة الأردنيين سوف نتجاوز الصعاب وانه لم يضغط عليه بأي شكل من الإشكال خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية وان كل ما يشاع بهذا الصدد ويقال أمر عار عن الصحة وان جوابه لكل من يضغط عليه وعلى الأردن بشان القدس والوطن البديل ان الجواب سيكون في النهاية ( كلا ) ولم يكن ذلك غريبا ولا متأخرا على مواقف وقناعات جلالته في كل بياناته وتصريحاته فقد سبق وأعلن بان الأردن لا يمكن إن يكون وطن بديل كما وأكد رفضه المطلق لمشروع صفقة القرن المستند لتفسيرات النتن ياهو لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وقد خاطب الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرات عديدة بقوله ( لن نتخلى عنك إننا نقبل ما تقبله ونرفض ما ترفضه )
لقد ارتبط الهاشميون تاريخياً بعقد شرعي وأخلاقي مع مكة المكرمة والمقدسات الإسلامية فحفظوا لها مكانتها ونأوا بها عن خصومات السياسة ومع قيام الدولة الأردنية استكملت الرسالة النبيلة في ظل الولاية المسيرة الهاشمية بالحفاظ على المقدسات في القدس الشريف وان المتتبع للرؤية الأردنية لقضية القدس في بعدها المبدئي والإستراتيجي سرعان ما يكتشف ان قضية القدس هي لب القضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع الصهيوني العربي وأن الوصاية الهاشمية على القدس ومقدساتها ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب حيث تعود الأصول التاريخية لسيادة الأردن على المقدسات في القدس لعام 1924عندما بويع الشريف حسين مطلق الثورة العربية الكبرى وصيا على القدس الإسلامية والمسيحية في المدينة من قبل مسؤولين فلسطينيين وعرب وبموجبه باتت تشرف المملكة الأردنية الهاشمية على كل كبيرة وصغيرة ضمن 144 دونما تضم الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة وجميع مساجده ومبانيه وجدرانه وساحاته وتوابعه فوق الأرض وتحتها والأوقاف الموقوفة عليه أو على زواره ومن ثم مرورا بسيادة الأردن على القدس الشرقية عام 1948 و1967وحتى بعد فك الارتباط بين الضفتين عام 1988 فإنه لم يتخل الأردن عن السيادة على المقدسات والدور الأردني الهاشمي في الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك وحماية مقدساته وأعمارها وصيانتها بمراحل طويلة زادت على الثمانية عقود وهو مستمر رغم الظروف السياسية الصعبة والمعقدة والوصاية الهاشمية بعمقها العربي والإسلامي أمر مبتوت به تاريخيا ودينيا وسياسيا وبالتالي فأي محاولة للسيطرة أو خطف أو استبدال هذه الوصاية بالمال والنفوذ هي خارج السياق وناشزة ومرفوضة وسوف تؤدي إلى حالة من الاتهام والتآمر من قبل أي دولة سواء كانت افريقية أو خليجية أو إسلامية تحاول انتزاع هذه الوصاية
وقد عززت هذه الوصاية من خلال اتفاق رسمي وقعه الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان عام 2013 حيث أكد الوصاية الأردنية على هذه المقدسات في رعاية وصيانة وحماية المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة وكنيسة القيامة والمقدسات الأخرى الإسلامية والمسيحية والبلدة القديمة ومن اجل ذلك يخوض الأردن معارك ومواجهات عديدة سياسية وقانونية ضد سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي في القدس من خلال المنظمات والهيئات الدولية مثل مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو والآيسيسكو وغيرها ويشارك بشكل دائم في التصدي لإجراءات الاحتلال في القدس وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة وقد تجلى ذلك في موقف الأردن الحاسم عندما قامت سلطات الاحتلال بنصب الكاميرات والبوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى وفتح باب الرحمة وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك قامت الحكومة بتقديم الدعم بكافة إشكاله للمسجد المبارك والمدينة المقدسة حيث قامت بمشروع ترميم الزخارف الجصية والفسيفسائية في قبة الصخرة والمسجد الأقصى إضافة لتزويد المسجد الأقصى بمولدات كهربائية احتياطية وإعادة تأهيل شبكة الإنارة الداخلية للمسجد وتنفيذ نظام الإطفاء من الحريق، ومشروع فرش المسجد وشراء ألواح الرصاص لاستخدامها في أسقف المسجد
ويحرص الملك عبدالله الثاني على لقاء شخصيات وفعاليات مقدسية بشكل سنوي لإشراكهم في تحديد الأولويات وتنفيذ البرامج والمشروعات التي تتم في القدس الشريف لتمكينهم من الحفاظ على عروبة المدينة وهويتها فيها وان الهاشميين قاموا بدور مهم في الحفاظ على الثقافة والعمارة الإسلامية حيث كانوا على الدوام الأمناء على الأماكن الإسلامية المقدسة ورعايتها والمحافظة عليها ومثال على ذلك إعادة بناء منبر صلاح الدين ليس إلا أحد الأعمال المهمة العديدة التي قام بها الملوك الهاشميون للحفاظ على الأماكن المقدسة وصيانتها على مدى العقود الأخيرة ولا يمكن إغفال ما قام به جلالة الملك من تحرك سياسي ودبلوماسي على جميع المستويات لوقف التهديدات الإسرائيلية على المقدسات والعمل على تثبيت المواطنين العرب من مسلمين ومسيحيين في القدس الشريف باعتبارها أولوية أردنية هاشمية لم ولن تتوانى المملكة عن بذل كل جهد ممكن لتحقيقها مما يؤكد أن الأقصى أمانة في عنق جلالته وأنه سيستمر في دعمه سيرا على خطى الآباء والأجداد من جيل إلى جيل وبما لا يدع مجالا للشك على عمق العلاقة الدينية والتاريخية التي تربط الأسرة الهاشمية بالأقصى المبارك ومن المهم اليوم وفي خضم الصراعات القائمة والسطوة الأمريكية الظالمة أن نبين بأن الوصاية الهاشمية الشرعية والتاريخية والقانونية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس باتت محل استهداف من الجانب الاحتلال الإسرائيلي لأنها تقوم بدورها في حماية ورعاية وصيانة الأماكن المقدسة والدفاع عنها وان استهداف الوصاية الهاشمية الممثلة بالإدارة العامة للأوقاف الإسلامية يأتي من خلال تدخل الاحتلال في صلاحياتها وإعاقة مشاريع الأعمار الهاشمي ومنع المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك وإصدار بيانات وتغريدات من وزراء وأعضاء كنيست يحرضون على إزالة الأوقاف الإسلامية وسحب البساط من تحت الوصاية الهاشمية وطرد ممثلي المملكة من الحرم القدسي الشريف وتقديم كل أشكال الدعم للجمعيات الاستيطانية للتوسع في مدينة القدس وتسهيل إجراءات نقل الملكية للعقارات في المحاكم المختصة
جلالة الملك عبدالله الثاني يكاد يكون هو الصوت العربي الوحيد الذي يتكلم ويدافع عن القضية الفلسطينية ويبذل جهودا سياسية كبيرة لكن يبدو أن هذه الجهود لم تعد كافية لردع قوات الاحتلال والمستوطنين ووضع حد لهذا التمادي غير المسبوق منذ العام 1967 والتي من أخطرها محاولة فرض الأمر الواقع في المسجد ا لأقصى وآخرها تفويض المحكمة العليا الإسرائيلية لمنظمة العال الاستيطانية بالاستيلاء على منطقة القصور الأموية التي هي من ضمن الحرم الشريف والتي تتبع لرعاية دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية ورغم معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994وإعلان واشنطن الذي تعهدت إسرائيل بموجبه على احترام الدور الأردني في الأماكن المقدسة في القدس الشريف ناهيك عن اتفاقية وادي عربة وكل الالتزامات الإسرائيلية الموقعة بشان القدس إلا أن الكنيست الإسرائيلي ناقش في وقت سابق قرار قدمه النائب اليميني المتطرف موشيه فيغلين يطالب فيه بنقل السيادة على المسجد الأقصى من الحكومة الأردنية إلى الحكومة الإسرائيلية
وقد حظيت القدس والمسجد الأقصى المبارك برعاية خاصة من الهاشميين وبخاصة في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني من خلال أربعة أعمارات متميزة وعظيمة للمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة في إطار عنايتهم الشاملة للمدينة المقدس ويعزز الأعمار الهاشمي في المدينة الهوية العربية الإسلامية لها في شقيها العمراني بإعادة بناء واستدامة المقدسات فيها وتقديم الدعم المالي والمعنوي بما يسهم في الإبقاء على أهلها صامدين ومرابطين فشكلت الصناديق الهاشمية ولجان الأعمار الموجهة لهذه الغاية كدلائل على نهوض القيادة الهاشمية بدورها الديني والتاريخي في استكمال مسيرة العهد والولاء لمدينة المساجد وشملت مشاريع الأعمار جميع محتويات ومكونات المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة على المساحة الكاملة لهما والبالغة 144 دونماً
أنها ملحمة أردنية تاريخية يقودها جلالة الملك حيث شكلت جهود جلالته واستمرار التنسيق بين القيادتين الأردنية والفلسطينية لدعم القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية السند الحقيقي للشعب الفلسطيني بالرغم من مواجهة الأردن الكثير من التحديات لقاء هذه المواقف المشهودة لمساعدته للحق العربي بغية تحقيق السلام الدائم والشامل الذي يضمن الحقوق ويصون الكرامة لأصحابها حيث قال جلالته في العديد من المناسبات لا يوجد من هو اقرب للشعب الفلسطيني من شعب الأردن وقد حسم جلالته مسألة هوية القدس وعدم السماح بالمساس بها أو تغيير طابعها الحضاري والثقافي والإسلامي العربي اذ كان الموقف الملكي في الأزمة التي عاشتها القدس والمسجد الأقصى واضحا اذ أنه لا يقبل المساس بقدسية الحرم القدسي الشريف وتأكيد الإبقاء على الوضع الراهن في المدينة وقد أصبح الأردن رمز ونموذج في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وحماية المقدسات وان حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس هي القضية الأساس لجلالة الملك عبدالله الثاني ليس فقط انطلاقا من الوصاية الهاشمية على هذه الأماكن بل لأن جلالته خير من يدرك ان القدس هي مفتاح السلام والاستقرار ليس في المنطقة فحسب ولكن في العالم أجمع
وفي كل عام يجدد الأردنيون عهد مليكهم الباني الحسين طيب الله ثراه لمليكهم الشاب عبد الله الثاني حينما قال ( عهداً قطعناه جميعاً على أنفسنا قوياً قوة الحق ان نعيش رجالاً ونموت رجالاً نحمي راية إسلامية عربية هي رمز تعلقنا بالقدس وتجعلنا في كل ذرة تراب في فلسطيننا من وطننا الواحد الكبير ) فالقدس بعد الله هي أمانة في قلب واعناق وضمير الهاشميين وهي عهدة وطن ووعد ملك عهده ثابت ووعده صادق هاشمي أمين لن يغير موقفه نحوها وهي وصاية شرعية وقانونية وتاريخية لا بديل عنها وستبقى ذروة سنام الأقصى وأساسه المتين ومطلوب منا استكمال مشوار تعرية الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه الصهيوني الساعي لتفريق الأمة وتمزيقها ودعم صمود الشعب الفلسطيني بكل الأدوات والسبل لأنهم أصحاب الحق والشرعية
يا ايها الهاشمي صاحب التاج الأغر سر بنا عباب البحر فلن تجد فينا المتخلف الا متحرف لقتال او متحيز لفئة فنخن شعبك معك نشدّ أزرك ونبارك خطواتك الرشيدة والمدروسة في ظلّ هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي تعيشها المنطقة والعالم تجاه فلسطين والقدس نقف صفاً واحداً متماسكا خلف قيادتك الحكيمة ندعم ونقتفي أثر جهودكم الشجاعة في سبيل الذود عن حياض القدس والمقدسات وفلسطين الحبيبة واهلها المرابطون من اجل إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية
mahdimubarak@gmail.com