محاذير اعلان خط الفقر

محاذير اعلان خط الفقر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
نستطيع ان نقول ان المهلة التي وضعها دولة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز للإعلان عن نتائج دراسات وتقارير مستوى (خط الفقر) قد انتهت، حيث انه وعد في جلسة رقابية لمجلس النواب عقدت قبل حوالي ثلاثة اسابيع، وردا على سؤال سعادة النائبة ديمة طهبوب، فقد وعد دولة رئيس الوزراء بأن يتم اعلان النتائج المتعلقة بمستوى خط الفقر خلال أسبوعين.
يعلم الجميع ان الإحصائيات المتعلقة بمستوى بخط الفقر هي بالضرورة احصائيات دقيقة جدا وذات حساسية عالية, وقد تكون اخطر من نتائج فحوصات الدم المتعددة والمتعلقة بالانسان المريض, ثم ان اعلان نتائج مستوى خط الفقر قد يترتب عليه جملة او حزمة من المحاذير السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وهنا ينبغي على الحكومة ان تضع الخطط والبرامج المرافقة لمثل هذا الخط الدقيق والاكثر حساسية لحظة اعلانه.
ولأن للفقر خط, وللخطوط الهندسية خصائص (الكسر, والثني, والمد) وغيرها, فقد يضرب على اوتار هذا الخط بعض المهتمين بالقضايا السياسية فيكسروا استقامته فتتفرق نقاطه, او قد يلعب على اوتار هذا الخط بعض المهتمين بالقضايا الاقتصادية فيثنوا استقامته فتضيع نقاط جواره, او ربما يعبث بأوتار هذا الخط بعض المهتمين بالقضايا الاجتماعية فيمدوا استقامته ليصل الى ابعد نقطتين على مساحة وطنه.
خط الفقر ليس خطا افتراضيا كخط (غرينتش) والمعتمد في حساب التوقيت في جميع انحاء العالم, وليس كخط (الاستواء) الذي يلتف حول كوكب الأرض ليقسم الأرض إلى قسمين نصف الكرة الأرضية الشمالي ونصف الكرة الارضية الجنوبي, وليس كخط (الموبايل) الشامل للضريبة عند الشحن ببطاقات ومكالمات محلية ورسائل قصيرة غير محدودة, لنحصل على أسرع نت على الموبايل في جيجابايت كثيرة بدون تقسيم على الشبكات المحلية.
نعم خط الفقر ليس كخط (النسخ) العربي المعروف والذي يجمع بين الرصانة والبساطة, فهو مثلما يدل عليه اسمه فقد كان النساخون يستخدمونه في نسخ الكتب, واليوم يستخدمونه النساخون لنسخ الرسائل المحولة دون فهم محتواها, وليس كخط (بارليف) الذي بناه الاسرائيليون وحطموه المصريين, وقد كان هذا الخط أصعب ساتر حربى في التاريخ والذي يتكون من سلسلة من التحصينات الدفاعية القوية جدا.
خط الفقر يا سادة يا كرام, هو خط دقيق كشعرة معاوية, وكقميص يوسف, وكعصا موسى,...يقف دونه وربما عليه مئات وآلاف وملايين المنتظرين من البشر, فهو اقوى من كخط (غرينتش), واقوى من كخط (الاستواء), واقوى من خطوط (الموبايل), واقوى من كخط (النسخ), واقوى بمرات ومرات من كخط (بارليف), وما ادراكم ما خط بارليف يا شباب (الهشك بشك) فقد كان فيه وعليه مئات وآلاف وملايين الالغام الارضية.
لاشك ان لكل دولة من دول العالم خطا للفقر, ولا شك ان الناس يتوزعون على هذا الخط بطريقة مختلفة عن بعضهم البعض, فمنهم من يقف دونه, ومنهم من يقف بعده, ومنهم من يقف عليه, ولا شك ان لكل دولة من دول العالم طريقتها واسلوبها في التعامل مع خط فقر مجتمعها ومعالجته, ثم ان مستويات خط الفقر تتغير في نفس الدولة وفي نفس المجتمع كل عشرة سنوات كما تشير الدراسات, وهذا يعني ان كل عشرة سنوات ينبغي اخذ قراءة دقيقة وصحيحة لخط الفقر كي ترتب الدولة خططها وبرامجها المستقبلية, وتتنبأ بقادم الايام.
اعتقد جازما ان هناك محاذير لإعلان خط الفقر, وان هذه المحاذير تقل حدّتها من خلال تصميم ملاحق احصائية دقيقة لهذا الخط بحيث تكون هذه الملاحق معلنة وشفافة من الحكومة, توضح هذه الملاحق آليات واجراءات الحكومة القادمة لمعالجة وجدولة التشوهات الاقتصادية المتراكمة التي حرفت هذه الخط وازاحته عن مساره الصحيح والطبيعي في السنوات الماضية.
بقي ان نقول لدولة رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز ان خطوة اعلان مستوى خط الفقر خطوة مباركة, لكن قد يسأل البعض دولتكم وله الحق في ذلك, ماذا بعد...؟