أنا لا أطلب الكثير

طویل ھذا الیوم.. وكأنھ یوم رحیلك، ّ تمر الثواني ّ محملة بالأغاني، وتشعل الرسائل بالأماني، وتكتظ ھواتف الأولاد .برسائل التنسیق حول الھدایا والمواعید تشعل الإضاءة باكراً في غرف الأمھات، و تزدحم محلات الحلوى بالزبائن المستعجلین، قوالب «الجاتو» تنزل تباعاً على «بترینة» الاحتفال مزینة بالفراولة وعبارات الوفاء للأم، وأنا أحمل ورقتي وانتظر.. كلما حضر شاب یافع مستعجلاً أعطیتھ دوري، وكلما جاء طفل یدفع ثمن الحلوى بأوراق من فئة الدینار عرفت أنھا «جمعیة» الأشقاء للعید، ابتسمت وقدّمتھ على نفسي.. ھم مستعجلون لیلحقوا الاحتفال الفوري بأمھاتھم بعید الغروب.. أما أنا فبمن احتفل ..وعمري كلھ أصبح في الغروب؟ ھ یصیبني بلل الحنین، ّ أغششھم أنواع الھدایا، وأضع مالاً في ّ «حصالتھم» دون أن ّ أتقمص دور أولادي أحیاناً، علّ ّ یشعرون،أدربھم كیف یفاجئون الأم بالاحتفال، متى یقبلون الجبھة والیدین.. أحاول أن أعید تحنیط اللحظة، أسترجع ..الھالة، لكنني في منتصف الاحتفال أبكي كثیراً، لأن أمي غائبة .. ما زلت أنسى الآیة من قال إننا نكبر، نحن نھرم فقط، نحن ّ نتضخم بھمومنا، بأوجاعنا، بأحلامنا، لكننا لا نكبر أبداً الثانیة من «سورة الماعون» وأذكر صوت أمي وھي ّ تذكرني بھا في بیتنا الشمالي قبل 38 سنة، أذكر أذكارھا التي كانت تقرأھا وأنا على یمینھا قرب الخزانة، وأذكر حرف السین الذي یظھر جلیاً عند التسابیح.. أذكر رائحة البیت ورطوبة الشتاء، وشكل السجادة الكبیرة «القطیفة» المعلّقة في صدر البیت، وحوار المزاریب وصوت الرعد اللیلي، أشتم رائحة العجین النائم بالقرب منا كواحد منا الغافي بین الساطرة والصندوق، أذكر ملابسنا الثقیلة المعلقة في ّ وخیالات تخوفنا، فنغمس رؤوسنا قرب فراشك ..مسامیر الباطون تعطي أشكالاً أنا لا أطلب الكثیر، أطلب أن نعود صغاراً كما كنّا، واضحین كأوراق شجر، أنقیاء كقطرة ماء، في رعایتك نأكل من رغیف كفّك.. ونعیش ٍ بسلام في كنفك، وكلما أخافنا رعود المجھول، أو خیالات المستقبل نلوذ بثوبك اللیلي ّ نشتم عطر الأمان.. أنا لا أطلب الكثیر، أنا فقط أطلب الا ّ یتعمق الرحیل.. أریدك أن تبقین سیدة البیت وسیدة الذاكرة وان أقمت ھناك في «عرش الخلود»، أرید أن أجد مكاناً قربك مكاناً یشبھ مكاني في بیتنا الشمالي... فالبیوت الشاھقة باردة یا أمي، البیوت المنخفضة الصغیرة القدیمة أكثر دفئاً وأكثر أمومة، صدقیني أنا لا أطلب الكثیر.. كل ما أطلبھ الا تغیبي ...والا یغیب وجھ وطني.. كل عام وأنت یاسمینة العمر ahmedalzoubi@hotmail.com احمد حسن الزعبي