إعلاميو وصحفيو «القص واللصق»



لا يفاجئك أبدا حين يقوم قارئ أو ناشط أو متابع عادي بنسخ كلام خاطئ أو فيديو أو صور مفبركة ونشره على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يحاول التأكد من صحتها قبل النشر، لكن ما يصدمك بحق أن يقوم بذلك صحفيون وإعلاميون ونشطاء على درجة عالية من الفطنة والذكاء والمهنية، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تطبيق أول قاعدة في النشر، وألف باء الصحافة والإعلام الموضوعي، وهي التحري عن المعلومة الصحيحة والبحث عن أكثر من مصدر يتعلق بها حتى لا يضعوا أنفسهم في خانة جماعة «كوبي وبيست» أو «قص ولصق» وهو تعبير شائع من عهد الصحافة الورقية قبل دخول الكمبيوتر العمل الصحفي.
هذا ما حدث في اليومين الماضيين، على سبيل المثال لا الحصر: الغالبية أوحت لنا بأن صفحاتهم مستهدفة من إدارة «الفيسبوك»، وبأن هناك حظرا عليهم، والبعض نسخ تحذيرات وأرسلها حتى إلى عالم الموتى، ثم تبين أن هناك مشكلة في سيرفر الموقع تسببت في خلل دام لعدة ساعات في بعض تطبيقات الموقع مثل التعليق وإبداء الإعجاب.
وايضا تقويل الوزير الأسبق الاقتصادي المعروف جواد العناني كلاما لم يقله (أنا شخصيا أكثر شخص يختلف معه ويهاجم الرجل على دوره في الملف الاقتصادي) حول الأردن وفلسطين، وعملية شطب البوست بعد نشره لا تفيد أبدا بعد خراب مالطا والبعض أخذته العزة بالإثم وأبقى البوست الملفق على صفحته كنوع من العناد على نمط «عنزة ولو طارت».
وأخيرا جاءت دعوة البعض لمقاطعة اقتصادية لنيوزيلندا بعد مجزرة مساجد نيوزيلندا، أولا- الحكومة والشعب النيوزيلندي لا علاقة لهم بالمجرم ولا يدافعون عنه بل إنهم مصدمون من فعلته بنفس درجة صدمتنا، ثانيا - القاتل كما أعلن استرالي الأصل ومؤمن بالرئيس ترامب، يعني قاطع المحرض الأول أفضل حتى تكون بداية لمواجهة زعماء الدول لمواقفهم المشجعة على آفة الإسلاموفوبيا أو تغاضيهم عنها.
الهجوم كشف بشكل فظيع نتائج الكراهية غير المنضبطة والشيطنة التي تسببت في فقدان حياة 50 شخصا.
المعنى، عزيزي الكاتب والمثقف والقارئ والقراء والناشط، مارس ما تمليه عليك قيمك وأخلاقك ومهنيتك، ودع عنك هوس: عاجل، حصري، التفاصيل بعد قليل، والنسخ دون تفكير أو تأكد، لا يضيرك أن تنشر الصحيح بعد الآخرين لأنك حينها ستقود معركة إعلامية ذكية وشجاعة مغلفة بشيء من المصداقية.
علينا أن نحذر دائما ممن ينجحون في خداعنا، فقط لأنهم يقولون «الأقوال الصحيحة» والتي ليست بالضرورة تستحق النشر أو القول والتي تداعب الفوضوي الصغير في داخلنا.