زمن الرئيس البخيت ظالم أم مظلوم؟
محمد الصبيحي:
خالد شاهين عاد الى السجن، ومشروع التعديلات الدستورية في مراحله الاخيرة, والانتخابات البلدية على الابواب تليها انتخابات نيابية، ومكافحة الفساد تعمل وفق القانون وبطريقة عقلانية وليس بطريقة محاكم التفتيش التي يريدها بعض الناس، والاعتصامات والمسيرات تجري في كل مكان بحرية ودون عنف أو عرقلة، والصحافة تكتب بحرية دون أي تدخل، ومواقع الكترونية تقول في الحكومة ورئيسها أكثر مما قاله مالك في الخمر وتطال الرئيس شخصيا في كل حركة يتحركها، ولا أحد يقاضيها ولا نريد لأحد أن يقاضيها، حرية صحفية على الطريقة الامريكية وتجريد للقوانين الناظمة لحرية النشر من أنيابها، ومع هذا هناك أصوات كثيرة ترتفع بأن ذلك كله دون المطلوب فالتعديلات الدستورية في نظرهم شكلية والانتخابات النيابية مزورة مسبقا والمسؤولون في المواقع الرسمية فاسدون والنظام يشتري الوقت ولا يريد إصلاحا.
كلنا نتفق أن الصورة ليست مثالية، ولا يمكن أن تكون مثالية في أي وقت وأي زمان ولكن ما يتحقق في الاردن سلما وبالتراضي لم يتحقق مثله في دول شقيقة ماجت بالثورات وما زال بعضها يموج ويقدم الدماء في الشوارع لتصل الى بعض ما وصلنا اليه، ففي تونس ما زال الجدل يحتد حول قوانين الانتخاب التشريعية والبلدية فيما الامن غير مستقر، وفي مصر بلد الثمانين مليون إنسان وأم الدنيا وصاحبة أقوى جيش عربي ما زال مخاض الاصلاح في مراحله الاولى ولم تستطع كل القوى السياسية والشعبية الغاء كامب ديفيد واقتلاع السفير الإسرائيلي من القاهرة لأن الكلفة على الصعيد الدولي والعسكري عالية جدا بل وأحسب أن القوى السياسية كلها بما فيها الاخوان لا تصر على المجلس العسكري لإلغاء اتفاقية كامب ديفيد فلا مصر ولا العرب مستعدون الان لتحمل الكلفة على الارض وفي ميزان القوى العالمي اقتصاديا وعسكريا، ومع ذلك يريدون هنا في عمان من الحكومة طرد السفير الاسرائيلي وأغلاق السفارة والغاء وادي عربة.
ومن يقول بخلاف ذلك فالتهم جاهزة وهي الدفاع عن العدو الصهيوني والعمالة، وأنا على يقين بأنه لو شكل الاخوان المسلمون الحكومة المقبلة ووضعوا الاوراق على الطاولة لما فكروا مجرد تفكير بالغاء اتفاقية وادي عربة وطرد السفير لأنهم يعرفون تماما الكلفة والبدائل المتاحة.
أنا مثلي مثل كل مسلم لا أحب النظر الى سفارة صهيونية في عمان ولا أنا راض عن اتفاقية وادي عربة ولكني أيضا غير مستعد لحمل السلاح وحدي دون الامة العربية والاسلامية وبيتي من زجاج، وأفهموها كما تريدون.
العقلاء في البلد كثر بالتأكيد ولكن أغلبيتهم يلوذون بالصمت فمن يرتفع صوته منهم سيقال أنه أحد ثلاثة فاما من قوى (الشد عكسي) المتخلفين الذين يقفون في وجه الحداثة والاصلاح، واما منافق عينه على المنصب (مستوزر) واما فاسد يرى في الاصلاح تهديدا لمصالحه ومنافعه، ولن يقول أحد أنها كلمة تعقل ورشاد دعونا نتحاور ونتفهم.
أصبح معيار الشجاعة في الشارع السياسي من هو الاكثر جرأة في التطاول على أشخاص الحكومة ورئيسها، ومن هو الاعلى سقفا في التطاول على رموز البلد، ومن هو الاكثر رفضا لكل ما يصدر عن الدولة من توجهات وقرارات، ومعيار الشهرة من هو الاكثر إقليمية وإثارة للفتنة ومسا واستفزازا لمكونات البلد من عشائر وتاريخ، ولم يعد معيار الشجاعة كلمة الحق في وجه الغوغاء أو الظلم، وبالنتيجة فانه في غياب قوى سياسية مؤسسية تقود الرأي العام وتعمل كشريك أساسي في عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والاخلاقي فان فسيفساء السياسة لن تنتج أكثر من الفوضى والنيل من هيبة مؤسسات الدولة والدوران في حلقة مفرغة.
حقيقة لا أعرف ان كان رئيس الحكومة الذي يقول كل أقطاب المعارضة وغير المعارضة أنه رجل نظيف وعاقل ليس له أجندة شخصية ولا تجارة عائلية ولا محاباة عشائرية، ومع ذلك يعارضون كل ما يصدر عن حكومته وبعضهم يطالب برحيلها ويرفض الحوار معها، لا أعرف ان كان الرئيس ظالما لنفسه أن جاء رئيسا في هذا الوقت أو مظلوما من قبل الآخرين؟-