ترامب الرمز الملهم لسفاح مذبحة نيوزيلند
ترامب الرمز الملهم لسفاح مذبحة نيوزيلند
مهدي مبارك عبد الله
في اعتداء لا يعتبر الأول من نوعه على دور العبادة والمراكز الإسلامية أو المسلمين في عدة دول استيقظ العالم صبيحة بوم الجمعة الماضي على وقع مذبحة دموية مروّعة نفذت بدم بارد حيث تعرّض مسجدين في نيوزيلندا لهجومٍ مسلّح راح ضحيته ما يقارب 49 مسلماً إلى جانب ما يزيد على 20 من المصابين وهم في حضرة الله يصلون ويبتهلون رحمته
السفاح الرئيس لمسجدي مدينة كرايست تشيرش شرقي نيوزيلندا برينتون تارانت أسترالي الجنسية وفي الـ28 من عمره وهو من غلاة الفكر اليميني العنصري المقيت يؤمن بتفوق العرق الأبيض ومن الداعمين والمعجبين بتطرف وعنصرية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب " كرمز لإعادة بناء هوية الإنسان الأبيض المتجددة والهدف المشترك " على الرغم من أنه لا يعتبره صانع سياسة أو زعيم وقد خطط للهجوم بحرفية عالية ونفذه بصورة استعراضية ووحشية كإرهابي مدرب ومنظم وقبل إقدامه على الجريمة نشر عبر الإنترنت بيانا مطولا شرح فيه أهداف وخلفيات هجومه واستند إلى إحداث تاريخية بعيدة المدى والى أهداف ذات حساسية وطنية في تبرير اللجوء لهذه الفاجعة الرهيبة أما من حيث الأهداف العملية وحسب ما عرضه المجرم حرفيا فهي تقليص الهجرة عبر ترهيب الغزاة المسلمين وترحيلهم وأن أراضينا لن تصبح لهم أبدا إضافة إلى إثارة رد فعل عنيف من أعداء شعبي كي يتعرضوا لمزيد من العنف في نهاية الأمر وانه نفذ هذه المجزرة المروعة انتقاما لملايين الأوروبيين الذين قتلهم الغزاة المسلمين الأجانب عبر التاريخ وآلاف الأوروبيين الذين قضوا في هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية وانه يرى أن استمرار تدفق المهاجرين على الدول الغربية يشكل أكبر أخطر يهدد مجتمعاتها ويصفه بالإبادة الجماعية للبيض ويعتبر أن وقف الهجرة وإبعاد الغزاة خارج أراضينا ليس مسألة رفاهية لشعوب هذه الدول بل هو قضية بقاء ومصير
كما أكد منقذ الهجوم تارانت والذي ساعده 3رجال وامرأة واحدة احتجزتهم قوات الشرطة كمشتبهين في المشاركة بتنفيذ العملية أنه بعمله هذا يسعى الى دق إسفين بين أعضاء حلف الناتو الأوروبيين وتركيا بهدف إعادتها إلى مكانتها الطبيعية كقوة غريبة ومعادية وحول اختياره لنيوزيلندا كمكان لتنفيذ الهجوم قال أنه جاء للفت الأنظار إلى حقيقة الاعتداء على حضارتنا التي ليست في مأمن من خطر المهاجرين حتى في أبعد بقعة منها وحسبما كتب على حسابه أنه لا يشعر بالندم ويتمنى فقط أن يستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة المسلمين والخونة الأجانب وأنه ليس هناك أي بريء بين المستهدفين لأن كل من يغزو أرض الغير يتحمل تبعات فعلته كما كتب القاتل على الأسلحة التي عثر عليها في مركبته عبارات عنصرية ذات دلالات رهيبة بشأن معركة فيينا التي وقعت عام 1683ومثلت نهاية سيطرة الدولة العثمانية وتوسعاتها في جنوب الشرق الأوروبي فضلا عن مهاجمة الدولة العثمانية والأتراك ومن بين العبارات العنصرية التي كتبها منفذ المذبحة على سلاحه عبارة Turcofagos وتعني باليونانية " آكلي الأتراك " وهي عصابات نشطت باليونان في القرن التاسع عشر الميلادي وكانت تشن هجمات دموية ضد الأتراك وتاريخ سنة 1571 في إشارة واضحة إلى "معركة ليبانتو" البحرية التي خسرتها الدولة العثمانية وكتب أيضا اللاجئون أهلاً بكم في الجحيم ودعي إلى وقف تقدم الأمويين الأندلسيين الجدد في أوروبا وقد بث السفاح أغنية باللغة الصربية بعنوان إبادة الإنسان كان يسمعها أثناء بثه المباشر لجريمته تظهر نواياه العدوانية ودوافعه العنصرية وتشير إلى رادوفان كاراديتش الملقب بسفاح البوسنة وهو قيادي صربي مدان بجرائم عدة من بينها ارتكاب إبادة جماعية و ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاك قوانين الحرب ضد المسلمين إبان حرب البوسنة 1992-1995
وكتب بتعبير بذئ مخاطبا الأتراك يمكنكم العيش في سلام في أراضيكم وفي الضفة الشرقية للبوسفور لكن إذا حاولتم العيش في الأراضي الأوروبية او في أي مكان غربي البوسفور سنقتلكم وسنطردكم من أراضينا وأضاف نحن قادمون إلى القسطنطينية (إسطنبول) وسنهدم كل المساجد والمآذن في المدينة آيا صوفيا ستتحرر من المآذن وستكون القسطنطينية بحق ملكا مسيحيا من جديد ارحلوا إلى أراضيكم طالما لا تزال لديكم الفرصة لذلك وقال إن صدمة ما بعد أفعالي سيكون لها تداعياتها في السنوات المقبلة على الخطاب السياسي والاجتماعي وستخلق جواً من الخوف والتغيير وهو المطلوب وفي تغريدات كثيرة مثيرة ضد المسلمين تحدث عن زيادة معدلات الولادات بينهم وركز على حالة البغض والكره الشديد إلى كل ما هو مسلم معتبراً أنهم يهددون العالم الغربي
ومنذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصب الرئاسة في 20 كانون الثاني 2017 وهو يؤكد للجميع في خطاباته وتغريدا ته عنصريته وفاشيته وعداءه للإسلام والمسلمين ويحرض الدول الأخرى على ذلك ولا يبدو أن عنصريتة ستتوقف ما دامت تنبع من ثقافة متجذرة لديه تنحاز لآراء ومواقف تزدري الآخر مما دفع الكثيرين بمطالبته تغيير الشعار الذي يتبناه "اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى" إلى "اجعلوا أميركا بيضاء مرة أخرى " وهو صاحب المصطلحات التي ربطت الإسلام بالإرهاب فكان أول من استخدم مصطلح الإرهاب الإسلامي عند وصوله للبيت الأبيض واستخدم باستمرار مصطلحات مستفزة للمسلمين مثل "الإسلام الراديكالي" و"الإسلام المتشدد" وغيرها وكان قد افتتح عهده بقرار منع الهجرة عن جنسيات دول جميعها مسلمة وبدت الصور القادمة من المطارات الأميركية للتعامل مع المهاجرين ولا سيما المسلمين صادمة للكثيرين وان أحد أبرز مواقف ترامب العنصرية تجاه المسلمين عندما أعاد نشر ثلاثة فيديوهات مسيئة للمسلمين كانت نشرتها جايدا فرانسن نائبة زعيم حركة بريطاني "أولا " العنصرية المعروفة باتجاهاتها المعادية للإسلام واحتجاجاتها المناهضة للمساجد ونشر تعليقات وصور مهينة للمسلمين في الشوارع وعلى شبكة الإنترنت
وفي حوار له أثناء حملته الانتخابية مع محطة سي إن إن الأميركية قال ترامب "أعتقد أن الإسلام يكرهنا" وأتبعه لاحقا قوله " لدينا مشاكل مع المسلمين عامة ولدينا مشاكل خاصة مع المسلمين الذين يدخلون بلادنا ووصف اللاجئين بأنهم غزاة مدعومون من مجرمين يسعون إلى احتلال البلاد تماما كما قال تارانت منفذ مذبحة نيوزيلندا مع غياب أي تنديد واضح من قبل ترامب بعنف اليمين المتطرف والنازيين الجدد مما يقوي شوكتهم ويشجعهم كما في أحداث شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا وحرق جامع في مدينة سياتل على سبيل المثال لا الحصر حين دهم رجل بسيارته المتظاهرين وعدم وصف ترامب الهجوم بالإرهابي ولفترة طويلة كان أحد أشهر أنصار النظرية التي تقول بإن باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة الأمريكية إنما في كينيا وان شهادة ميلاده مزورة كما أنه لا يدين بالمسيحية ولم يتوقف عن سب المكسيكيين والأمريكيين من أصل مكسيكي وفال تعقيبا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر" ثمة أشخاص في نيوجيرسي رأوا قطاعات كبيرة من العرب والمسلمين وهم يحتفلون عند انفجار المبنيين " وهو إدعاء ثبتت عدم صحته ويدل على عنصريتة الشيزوفرانية بالغة التعقيد
نؤمن نحن بشكل قاطع انه لا بد من الحذر الشديد عند استخدام كلمة المحرِّض على الكراهية بين الناس لكن هذا الوصف ينطبق على ترامب وبحسب تفسير المعاجم اللغوية فإن المحرض على الكراهية بين الناس هو من يعمل على إثارة العنف والهيجان في أوساطهم وهذا تماماً ما يفعله الرئيس ترامب منذ شهور عديدة ففي البداية قام بتأجيج مشاعر الكراهية ضد المهاجرين الآتين من جنوب امريكا وخاصة ضد أولئك القادمين من مكسيكو ولكن منذ أن ساد إرهاب ما يُعرَف " بالدولة الإسلامية " غيَّرَ مسار هجماته بشكل رئيسي ضد المسلمين وبذلك يعلن بأن مليار مسلم ونصف المليار هم إرهابيون محتملون وهذه عنصرية تسخر متها من جميع قيَم الحرية الدينية وحقوقها التي تتبناها امريكا تاريخيا والبعض يرى في ترامب مؤجج للحرائق ومُشعِل للفتنة والكراهية في أوساط المجتمع الأمريكي مسبقا بدعم وتهيئة أجواء معاداة الأجانب والإسلام وهي تصب في النهاية في مصلحة المتطرفين من كل الجهات
ولا نعرف السبب الحقيقي لتركيز ترامب والغرب المستمر على ما يسمونه بالتطرف الإسلامي وإغفالهم الديانات الأخرى أليس كل الأديان والمذاهب فيها معتدلون ومتطرفون فلماذا يسلطون الأضواء على من يُسمّونهم متطرفين إسلاميين ويصمتون عن متطرفي البوذية واليهودية والنصرانية ولا يمكن قصر خطاب العنصرية والعداء للإسلام على امريكا ورئيسها فحسب فهناك الكثير من الدلائل التي تؤكد ازدياد انتشار ظاهرة عنصرية الغرب تجاه المسلمين وعدائه للإسلام في عموم القارة العجوز وفي وقت سابق كشفت نسخة مسربة من خطاب رسمي تلقته عناصر الشرطة الفرنسية يهاجم المسلمين ويحرض على ممارسة العنف والتمييز العنصري ضدهم ما يؤكد اتساع نطاق الظاهرة جغرافيا وديمغرافيا وأن هنالك مجموعة كبيرة من القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب في أنحاء أوروبا تنطوي على تمييز ضد المسلمين ويطول الحديث عن استهداف المساجد والمراكز الإسلامية وأشخاص مسلمين رجال ونساء في العديد من الدول الغربية
وفد لعب واليمين المتطرف الغربي على الوتر العداء والكراهية الحساس في دعايته الانتخابية وشنه حملات واسعة ضد الأجانب والمسلمين و بث الخوف لدى الأعراق والقوميات المختلفة التي أصبحت جزءًا من المكون الأساسي في المجتمعات الغربية ودعوته لإحياء الفكرة القومية الضيقة في مجتمعات كانت أكثر انفتاحاً على الآخر وتقبله واستغلال الدين بصفته مكون ثقافي وهوية تاريخية مهددة بالانحسار مع تزايد أعداد المسلمين وتوظيف العاطفة الشعبوية للتذكير بالحروب الصليبية والنزاعات والاختلافات القديمة بين المسلمين والمسيحيين وبهذا الإعلام المتدفق والممنهج استطاعت الأحزاب اليمينية المتطرفة الوصول الى مواقع لم تكن تقترب منها في الماضي مثل البرلمانات المحلية والبلديات وحتى منصب الرئاسة والبرلمان الأوروبي حيث باتت هذه الأحزاب تتوغل وتتغلغل ولا تقف عند حد وقد تطورت سياسات استعداء الإسلام الى حد القتل بعد المضايقات الشخصية والمعيشية
وهذه الجريمة النكراء لا يمكن أن تكون فردية التخطيط ولا هي عملاً اعتيادياً نظراً للدلالات التي ارتبطت بها وان هذا الهجوم الإجرامي العنصري والوحشي والإانساني الذي انتهك حرمة بيوت الله وسفك الدماء المعصومة يتنافى مع كل مبادئ الإنسانية ويجب أن يكون تذكيرا جديدا بضرورة تواصُل وتكثيف الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب البغيض الذي لا دين له ومواجهة كل أشكال العنف والتطرف أمنیا وفكريا وهو يمثل جرس إنذار على ضرورة عدم التساهل مع التيارات والجماعات العنصرية التي ترتكب مثل هذه الأعمال البغيضة وأن يتم بذل مزيد من الجهود لدعم قيم التعايش والتسامح والاندماج الإيجابي بين أبناء المجتمع الواحد بغض النظر عن أديانهم وثقافاتهم وهو يشكل أيضا مؤشرا خطيرا على النتائج الوخيمة التي قد تترتب على تصاعد خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في العديد من بلدان أوروبا حتى تلك التي كانت تعرف بالتعايش الراسخ بين سكانها حيث بدأ الخوف من إرهاب شامل يطال الأقليات المهمشة والمضطهدة في أوروبا وأمريكا والمواجهة الأنجع لهذه العنصرية والفاشية الأمريكية والغربية تجاه الإسلام يتمثل في عودة المسلمين الى التمسك بصحيح دينهم الوسطي البعيد كل البعد عن الإفراط والتفريط وبناء حلف إسلامي قوي سياسيا واقتصاديا وإعلاميا يكشف زيف وكذب جميع مصطلحات الغرب المسيئة للإسلام والمسلمين لان بقاء هذه المواقف العنصرية هو إرهاب الدول المنظم بعينه وهي اخطر من رسام الكاريكاتير الهولندي الذي أساء للرسول محمد صل الله عليه وسلم حيث بات كثير من المسلمين يخشون من إظهار شعائرهم الدينية وان الاعتداء على الآمنین ودور العبادة، والاستھداف الغاشم والمتكرر للأبریاء يتطلب العمل وفق منھج تشاركي دولي تتضافر من خلاله الجھود الرامیة لمحاربة التعصب والإرھاب بمختلف أشكاله ووقف استمرار تشويه صورة المسلمين بحجة وذريعة الدفاع عن حرية الرأي والتعبير
وختاما
نقول لأولئك الذين يدعون صبح مساء عنصرية وبغضاء بان الإسلام وتعاليمه هي مصدر العنف والتعصب والإرهاب في العالم ها نحن اليوم امام إرهابي ومجرم قاتل نفضوح من بني جلدتكم لم يتعلم القران الكريم ولم يحفظه ولم يتربي في مجتمع مسلم ولم يتخرج من الأزهر ولم يقرأ صحيح البخاري ولا كتب سيد قطب ولا عبد الله عزام ولا فتاوي ابن تيمية ولا سلمان العودة ولم يحارب في أفغانستان أو العراق أو سوريا ولم يعتنق فكر السلفيين الجهادي ولا للقاعدة ولا داعش فمن أين جاء بكل هذا الحقد واستباحة حرمة دور العبادة وسفك الدماء وفي أي بيئة لا إنسانية عاش وترعرع حتى وصل هذا المستوى من انعدام الضمير والأخلاق والقيم فكل ذلك يؤكد براءة دين الإسلام من دعواكم الباطلة وأكاذيبكم الفاجرة ويثبت أن الإرهاب القذر لا وطن ولا دين له
خالص العزاء والمواساة إلى أسر الضحايا متمنيا الشفاء العاجل للجرحى والمصابين
mahdimubarak@gmail.com
.
.