لماذا خارطة سايكس بيكو الثانية بطيئة؟
عندما نضجت خارطة سايكس بيكو الاولى عام 1916م اخذت شوطا بعيدا من الارهاصات السياسية, ثم مهّدت لها حرب عالمية واسعة بمفهومها التقليدي اسمها الحرب العالمية الاولى, ويرى المحللون ان الحرب العالمية الاولى هدفت الى تغيير الجغرافيا, وان الحرب العالمية الثانية هدفت الى تغيير التاريخ, في حين ان الحرب شبه العالمية القادمة والتي سيكون ميدانها الشرق الاوسط ستكون مقننة بالمفهوم التكنولوجي المعاصر وستهدف الى تغيير جغرافي بأبعاده المذهبية والطائفية والعرقية في منطقة الشرق الاوسط.
والسؤال المطروح هنا, لماذا خارطة سايكس بيكو الثانية والتي سيُمّهد لها بعد نشوب حرب شبه عالمية جديدة,...لماذا تسير بطيء؟ بمعنى ادق لماذا حرب الجغرافيا المذهبية والطائفية والعرقية القادمة تسير بخطى بطيئة نوعا ما؟
من خلال قراءة بسيطة للتاريخ نجد ان التاريخ يعيد نفسة بأساليب وأدوات جديدة, ونجد ان الحاضر جاء من رحم الماضي وان المستقبل هو بالضبط وليد الحاضر, وان ما يحدث للعالم العربي والاسلامي في هذه الايام ليس من قبيل الصدفة بل هو نتيجة لمخطط استعماري صهيوني رُسم من فترة بدقة متناهية, قام بإعداده كبار مفكري الصهيونية العالمية من اجل ان تكون دولة اسرائيل رقما صعبا في هذه المنطقة, وان تكون هي السيد المطاع في الشرق الاوسط.
نوايا الولايات المتحدة الامريكية المتبيتة والمتمثلة في اخذ مواقع الدول الاستعمارية السابقة, كالاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي, باعتبارها القطب الاوحد الان وهي اقوى دولة في العالم, اخذها مواقع تلك الدول الاستعمارية من اجل تصحيح وتصويب حدود خارطة سايكس بيكو الاولى التي عفا عليها الزمن من وجهة نظر الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل, فقد قامت الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل مؤخرا بوضع مشروع جديد لتفكيك جميع الدول العربية والاسلامية كلا على حدة بحيث يهدف هذا المشروع الى تفتيت كل دولة الى مجموعة من الدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية حيث سيتم الغاء دولا بكاملها والقيام بتقسيم دول اخرى, وضم اجزاء من هنا وهناك, بحيث يصبح العالم العربي والاسلامي خارطة فسيفساء مجمعة في لوحة جديدة.
وطالما ان الحديث هنا عن اسباب تأخر خارطة سايكس بيكو الثانية في منطقة الشرق الاوسط, فالحقيقة التي لا تقبل الشك ان الارهاصات المذهبية قد استكملت اركانها, ومن اجل نضوج هذه الخارطة لابد من وقوع ما بعد الارهاصات وهي حرب الجغرافيا المذهبية, مع العلم ان هذه الحرب تأخرت قليلا كون الولايات المتحدة الأميركة ما زالت تعمل على اعادة ترتب اوراق دولة اسرائيل في العالم العربي والاسلامي, حيث ان اعادة ترتيب مثل هذه الاوراق يتطلب العديد من الخطوات والاجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واللوجستية.
ولا يخفى على ذي عقل ان الولايات المتحدة الأميركة ترى خارطة سايكس بيكو الثانية بطريقة مختلفة نوعا ما عما يراها ساسة دولة اسرائيل, فالولايات المتحدة الأميركة ترغب في ادخال العالم الاسلامي الى هذه الخارطة, وهنا يصبح مفهوم التقسيم اشمل واوسع, في حين ان ساسة دولة اسرائيل يكتفوا بالعالم العربي كحدود جغرافية لهذه الخارطة فتكون عمليات التقسيم بالنسبة له اكثر سيطرة وتحكم.
في المقابل, الدول العربية والاسلامية هنا وفي هذا المشهد, تقع على ثلاثة اقسام, قسم جاهز لخارطة سايكس بيكو الثانية, وقسم شبه جاهز, وقسم آخر غير جاهز على الاطلاق, ويرى البعض ان من اهم اسباب عدم جاهزية بعض الدول لهذه الخارطة يقع في اطار وجود تيارات دينية على (بضع وسبعون شعبة) على امتداد مساحة الوطن العربي والاسلامي, ومن اجل جعل التيارات الدينية على (الف وسبعون شعبة) يرى بعض المفكرين الصهاينة ان هذه التيارات الدينية ذات الشعب المتعددة تحتاج الى مزيد من جرعات التفرقة والتشتت والضياع وزيادة عدد تشعبها, وذلك من خلال بث مزيد من الفتاوى المتباينة, ونشر الآلاف من البدع, وفتح ابواب الاجتهاد امام الاميين من الامة.
خارطة سايكس بيكو الثانية ستبدأ خطوات وإجراءات تنفيذها بعد حرب مذهبية طائفية عرقية قادمة الى منطقة الشرق الاوسط, ميدانها يقع ضمن حدود العالم العربي والاسلامي, ويري البعض انه ربما تأخر مجيء خارطة سايكس بيكو الثانية شيء من الوقت لان اعادة ترتيب ارواق دولة اسرائيل وهو بطبيعة الحال لصالح الصهيونية يحتاج الى مزيد من الوقت.
بقي ان نقول, للتعامل مع خارطة سايكس بيكو الثانية باقل الخسائر, لا بد من تعميق وحدة الدين ووحدة اللغة ووحدة التاريخ ووحدة الثقافة بين الشعوب العربية والاسلامية,...اليس كذلك؟