يوم الكتاب العالمي-أسبوع القراءة

اليوم العالمي للكتاب-أسبوع القراءة
د. منصور محمد الهزايمة
من نافلة القول أن مرقى القراءة لا يطاوله مرقى أخر في الحياة، فهي تحملك وأنت قابع في مكانك إلى شتى البقاع والأصقاع، تعبر بك في غابر الزمان وحاضره وقابل الأيام، تُلقي تجارب الغير بين يديك، وتصبها في مجرى حياتك، فضلا عما تجنيه من أدب وفن وعلم ومتعة وخبرة، إذ إنك تحيا في كل كتاب حياة أخرى، وتذهب معه مذهبا بعيدا، فبيدك أن تعيش ألف حياة.
يمتاز القارئ النهم عن غيره بأنه صاحب فكرٍ وهدفٍ وهوية، جرابه مكتنز -أبدا- بحلو الثمر، وجميل الدرر، مع كتابه يجد الأنس، وحسن الرفقة، حيث لا يمل ولا يكل، وإن ترك فلا عتب أو لوم من خير صديق.
لله در الشاعر العربي الكبير المتنبي إذ يقول: "اعزُ مكانٍ في الدنى سرجُ سابحٍ، وخيرُ جليسٍ في الزمان كتاب".
تُقر البشرية جمعاء بقيمة القراءة من خلال إقرار يومٍ عالمي للكتاب، في إجماع نادر وتقدير عظيم لقيمة الكتاب في الحياة على مستوى أمم الأرض جمعاء، والقراءة هي دالة التحضر ورائدة الأمم للقيادة، ورافعة التقدم، يمكن أن يبنى عليها على مستوى العالم، وإذا ما كان البعض يشتكي من الملل والفراغ، فإن الكتاب كان صاحبا وفيا في جيب أو حقيبة بعضهم في الحل والترحال.
تحتفي دولة قطر هذا الأسبوع بيوم الكتاب، ويوم القراءة العالمي - أقرته منظمة اليونسكو في مؤتمر باريس عام 1995- والذي يصادف يوم 23 ابريل من كل عام، حيث تقام الفعاليات المختلفة التي تبرز المناسبة، وتعلي من شأن الكتاب، وتحفز الجيل على القراءة، وترسل الدعوة للناشئة من الأبناء في اطار جميل؛ افتحوا كتابا، واجعلوا من القراءة أسلوب حياة، ويقوم على هذه الدعوة شراكات بين المدارس والجامعات والمؤسسات المدنية والرسمية التي تقدمها تحت عنوان ينبض براقي المعاني "وطن يقرأ يُقرأ-قطر تقرأ" ، وهي من المبادرات الرائدة التي لا تفوّت دولة قطر -كعادتها- فرصة إبرازها، والاحتفاء بها، فضلا عن كونها مناسبة تستعيد ذكريات البعض مع القراءة، أو تربط البعض الأخر بعادة عدت عليها العاديات، ونافستها مشاغل الحياة، وهنا حري بنا أن نذكر معرض الدوحة للكتاب، الذي يلتئم منذ عقود ويعتبر-بحق- مثار فخر إذ يستقطب أشهر دور النشر العربية والأجنبية، ويزوره الآلاف في كل عام .
عندما تخالل كتابا، فأنت تتخطى حدود المكان والزمان، وتذهب إلى حدائق غنّاء، فربما اخترت أن تجتاز عتبات الماضي، لتمر بتجارب الأمم السابقة، وما مر بها من أحداث، أو تركت من أثار، وتتبين عندها الغث من السمين، وقد تحلق في عالم الخيال والفضاء، أو تغوص في عالم البحار بحثا عن اللولو والمرجان، وربما تنطلق في جهات العالم الأربع تكتشف ما جهلت، أو تقرّب ما بعدت عليك المسافة، أو تحلق في فضاءات لا حد لها، فتشعر وأنت تسترخي في مقعدك الوثير أن الكون بين يديك، وما عليك الا أن تقدّر بنفسك ما جنيت من نزهتك في كتابك المفتوح أبدا.
لا شك بأن ظاهرة العزوف عن القراءة لدى الشباب تثير القلق لدى مختلف فئات المجتمع، ويسعى الجميع لمحاولة إعادة القاطرة إلى الطريق الصحيح، من خلال أساليب علمية وواقعية وجمالية جاذبة، فوسائل التقنية الحديثة سرقت منهم الجمال الحقيقي والقيمة والفائدة، فلا يعقل أن تكون الصور الثابتة والمتحركة التي يتلقاها الطفل بشكل عشوائي في مواقع التواصل الاجتماعي بشتى صورها أساس الثقافة العامة والتعلمّ العرضي الذي يخضع له الأبناء، ويصبح التواصل بين الأسر وأبنائها أو بين الأجيال شبه معدوم بل يستثير الخوف والقلق على حاضر ومستقبل الأجيال.
الدوحة – قطر
6/3/2019