تجار البلد يستحقون التضامن
تجار البلد يستحقون التضامن
حمادة فراعنة
فكرة نبيلة ومبادرة وطنية عميقة الوعي والاستجابة، تلك التي أطلقها رواد وأصدقاء موقع جفرا نيوز الإخباري، والتي استجاب لها ومعها العديد من شخصيات ونساء العمل التطوعي ومؤسسات المجتمع المدني وقادة جمعيات خيرية، ومفادها إظهار التضامن المادي والمعنوي مع تجار وسط عمان من متضرري السيول الزاحفة والأمطار الغزيرة التي دمرت محلاتهم وخلّفت الخراب والخسائر.
المبادرة تتضمن توجه العائلات من مختلف شرائحها وحسب امكانياتها وحاجتها، نحو محلات وسط البلد المتضررة وشراء الحاجيات ومتطلبات البيوت من تلك المحلات، والتبضع من محلاتهم، تأكيداً للتضامن معهم ومشاركتهم الاحساس بتحمل المسؤولية الجماعية الاجتماعية لشعب واحد، نظراً لحجم الخسائر المادية الفادحة التي تعرض لها التجار في محلاتهم التي داهمتها السيول والمياه المتدفقة بغزارة غير معهودة وغير مسبوقة.
الموجة المطرية بمثابة كارثة سريعة خاطفة، تدفقت من جبال عمان نحو وديانها إلى وسط العاصمة التي لا تحتمل هذه الكميات الهائلة من المياه، ومهما تمكنت المجاري من الاستيعاب، لن تستطيع تحمل هذا التدفق الهائل والسريع من مياه الأمطار، بلغ حجمها أكثر من مائة متر مكعب هطلت وتوقفت خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، وهو معدل مطري لشهر كامل في موسم شتوي معقول، نزلوا خلال ساعات.
وعلينا أن نتذكر مقارنة مع بلدان ثرية مثل الكويت والسعودية والإمارات تعرضت لموجات مطرية مماثلة، فواجهوا كوارث مادية وسقط ضحايا، لأن التخطيط عندهم وخدماتهم التحتية ليست معدة وليست مهيأة للأمطار الكثيفة، ومقابل ذلك نحن بلد فقير وامكانياته محدودة، وعلينا أن نعترف بذلك ونقر به ونتصرف على أساسه، ومع هذا الفقر وقلة الامكانيات لدينا بنية تحتية معقولة في عمان بالذات توازي مواجهة المعدل المطري المعتاد، ولكن ما حصل يفوق القدرة على الاستيعاب، وقنوات المجاري واجهت كميات مطرية غير معتادة.
ومع ذلك علينا أن نواجه كوارثنا بالتضامن والتفاعل وعدم التشفي ببعضنا البعض، وأن لا تتحول الكارثة إلى عناوين الاصطياد واتهامات من التعليقات الكارثية المؤذية التي تُنفس عن الغضب، مع أنها لن تُعالج أسبابه، لأن المعالجة يجب أن تتم عبر ثلاث وسائل هي :
أولاً : تعويضات مالية سواء من قبل أمانة عمان أو من قبل الحكومة، عبر سلسلة من الإعفاءات الضريبية أو الإعفاء من رسوم سنوية، أو تقديم تعويضات نقدية.
ثانياً : تنفيذ مبادرة جفرا نيوز وخلق حالة فعلية ملموسة من التضامن توجه العائلات لشراء احتياجاتهم من تجار وسط البلد.
ثالثاً : فتح تحقيقات شفافة لمحاسبة المسؤولين في أمانة عمان عن تقصير مسبق، أو عجز وفشل في معالجة المستجدات الطارئة خاصة وأن لديهم معرفة مسبقة عن الحالة الجوية.
ثمة تحولات مطرية وتغيير في المعطيات المعتادة سبق وأن أدت إلى كارثة وادي الأزرق في منطقة البحر الميت وفقدان أطفال المدرسة والمرافقين معهم في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2018، بسبب الهطول المطري الصاعق، وها هي تتكرر المأساة في شارع قريش سقف السيل، اقتصرت على الخسائر المادية دون ضحايا والحمد لله، ولذلك نحن بحاجة لأن نقف معاً، ونواجه كوارثنا متضامنين متماسكين، وتوزيع المهام ونتائج الكارثة لتخفيف الأضرار عن الذين واجهوها وتحملوا تبعاتها، رسمياً من قبل أمانة عمان والحكومة وشعبياً عبر مبادرات خلاقة من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية لتزيل جزءاً من الاضرار التي ألمت بالتجار.
شعبنا طيب، رغم انتهازية البعض من صيادي الكوارث الذين يستغلون المصائب ليعرضوا بطولاتهم وأسلحتهم الانتقادية تحضيراً من بعضهم لأنفسهم ليكونوا بديلاً لتولي هذا الموقع أو ذاك، وعن هذا الموظف المسؤول أو ذاك، ولكن على هؤلاء الصيادين أن يفهموا أن شعبنا الطيب لا تنطلي عليه انتهازية صيادي الفرص، الذين يطالبون برحيل هذا المسؤول أو ذاك، فدوافعهم مكشوفة وغير بريئة من الدوافع الأنانية الضيقة.
h.faraneh@yahoo.com