لا شك ان عمان تتمتع ببنية تحتية معقولة شيدت خلال عقود وهي أفضل بكثير من عواصم ومدن كبرى أخرى، المشكلة الحقيقية في استدامة البنية التحتية وإداراتها، لقد شهدت البنى التحتية في المملكة بشكل عام حالة من الاستنزاف خلال آخر عشر سنوات نتيجة الضغط الكبير بعد موجات اللاجئين وتضاعف عدد السكان الذي أدى إلى توسع هائل في الانشاءات دون أن يصاحب ذلك تخطيط حضري متكامل ونظم لتصريف المياه ما يجعل الكارثة تتكرر كل عام وفي كل مرة نغرق في شبر ماء.
ان المشكلة الكبرى في عمان والمدن الأردنية الاخرى تتمثل في إدارة البنية التحتية واستدامتها، حينما نتكلم عن التوسع الكبير الذي شهدته المدن الأردنية بدون أن يوازي ذلك توسع في هذه البنى ببساطة لأنها غير قابلة للتوسع، بينما لو كان هناك إدارة كفؤة للبنى التحتية فإنها توقف التوسع في تلك المناطق وتبحث عن التوسع في مناطق اخرى، فالادارة الكفؤة للبنى التحتية تطلب صيانة حساسة للبنى التحتية للمدن القديمة مثل وسط البلد في عمان. نتساءل احيانا لما حافظت بعض الشعوب على مبان عامة وجامعات بات عمرها يتجاوز مئات الاعوام بل بعضها يتجاوز الألف عام وما تزال تستخدم بينما نجد حالة البنية التحتية لجامعاتنا يرثى لها ولم تتجاوز عشرات الاعوام.
وحسب تقرير التنافسية العالمية حل الأردن في مرتبة متوسطة في جودة البنية التحتية إذ احتل المرتبة 65 عالميا في العام 2018. وفي العام 2017 جاء في مرتبة أفضل وهي 65 بين 140 دولة وفي المرتبة السادسة عربيا، وجاءت أحوال البنية التحتية السبب الثالث في اعاقة تطوير الأعمال، فالبنية التحتية هي اساس التنمية وعمودها الفقري وتشكل تحديا حقيقيا أمام جلب الاستثمار وتقدم الاقتصاد، والبنية التحتية مسؤولية الدولة في كافة النظم الاقتصادية، ورغم إنجازات البنية التحتية إلا أن سوء إدارة هذه البنى وصيانتها وسوء توزيعها بات يشكل مخاطر ومصدر تهديد حقيقي تهدد استقرار الاقتصاد والحياة، فنحن بحاجة إلى فحص دقيق لأحوال البنية التحتية بعيدا عن الارتجال والتعميم والأحكام الانفعالية أوقات الأزمات.
ليس من المعقول أن تغرق شوارع واحياء كاملة بالمياه في العاصمة ليس لعدم وجود نظام تصريف للمياه، وليس لأن معدل الهطول سريع وكثيف في وقت محدود، بل بسبب الاهمال وسوء الصيانة، فقد عمد مواطنون إلى المغامرة والنفاذ الى مناهل المياه وصيانتها بوقت قصير وانتهت المشكلة، في العالم المتقدم هناك نظم مراقبة وسيطرة لمراقبة أحوال الانفاق والجسور والمنشآت العامة ولمراقبة نظم تصريف مياه الامطار، ولا اعتقد أن هناك صعوبة على أمانة العاصمة التي تتمتع بموازنة كبيرة أن تطور انظمة من هذا النوع قادرة على الابلاغ عن المخاطر، وتخفف من الارتجال وتساعد في أوقات الأزمات..
نحن بحاجة إلى وثيقة استرشادية وطنية تفحص أحوال البنية التحتية في عمان والمدن الأردنية، تحدد نقاط الضعف وتضع سيناريوهات للسنوات العشر القادمة من منظور تنموي يراعي عدم تركز البنى التحتية في مناطق محددة ويراعي اتجاهات ومستقبل التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الأردني وتقوم على فكرة ان البنية التحتية اداة تقود التقدم الاقتصادي.
نحن بأمس الحاجة إلى مناقشة وطنية من نوع آخر حول واقع البنية التحتية وسبل ادارتها واستدامتها، وكيف يمكن أن تكون البنية التحتية القوية والمستدامة الأداة الأقوى في تقدم البلد والأداة الأكثر قدرة على جذب الاستثمار وتحريك عجلة النمو، ما زلنا ننتظر الجديد حول المدينة الجديدة التي أعلنتها الحكومة السابقة ثم صمت الجميع عن الحديث حولها، علما أن مشروع المدن الاقتصادية والإدارية الجديدة يعد اساسا متينا لاضفاء المزيد من المنعة والاستدامة على البنى التحتية والأهم من ذلك ضمان حد معقول من العدالة في توزيع هذه البنى، فكلما تكدست البنى التحتية في مكان واحد، كلما أدى إلى تكدس السكان وأدى ذلك إلى اضفاء المزيد من الصعوبة في الصيانة والاستدامة وهذا ما بتنا نشهده في العاصمة تحديدا.