بين الدولة و"الطائفة العميقة"

حالة الإنكار لا تقتصر على الأفراد. هناك طوائف وأحزاب تعيش هذه الحالة، تدمر نفسها وما حولها. تصر على وحدانية حقها في الحياة. حق دونه قتل الآخرين أو الإنتحار. الأمثلة كثيرة. نذكر منها "القاعدة" و"داعش"، والصهيونية، والإنجيليون في أميركا. تَشكَل فكر وسلوك هذه الجماعات من أساطير وحكايات كأنها متحجرات أثرية غير خاضعة لقانون الإجتماع. لكنها جماعات حية تبتز الشعوب والسياسيين. تثير الحروب والفتن، وتدمر شعوباً ودولاً باسم الحق الإلهي كما تراه.


كتب غاري يونغ في"ذي غارديان" البريطانية عن لقائه إحدى المؤيدات لدونالد ترامب خلال حملته الإنتخابية. سأل السيدة عن موقفها من زعيمها بعدما أعلنه عن علاقته بالنساء فقالت إنها تريد أن ترى الوقائع وتسمع تصريحاته بنفسها. أكد لها أن هذه التصريحات اذيعت على الهواء مباشرة فاصرت على أنها لم تشاهده شخصياً ولا تصدق الإعلام.

السيدة أفضل مثال على حالة الجمود الفكري التي يعيشها الإنجيليون انصار ترامب. حالة لا تسمح لها ولغيرها من مؤيديه بحرية التفكير. هو الذي سيحقق أحلامهم في إدارة أميركا والعالم فقرروا أن "لا يسمعوا. وأن يكذبوا ما يقال عنه، ويعذروا كل أفعاله وأقواله". لذا ليس منتظراً أن يغيروا رأيهم فيه بعدما قاله عنه محاميه السابق مايك كوهين، في شهادته قبل يومين، حين وصفه بأنه "عنصري، كاذب، مخادع ومحتال"، مؤكداً أنه يملك كل الأدلة والوثائق التي تثبت أقواله.
 
 

العلاقة بين ترامب والإنجيليين (80 في المئة منهم انتخبوه) ليست معقدة. هم اوصلوه إلى البيت الأبيض عن قناعة بأنه سيحقق لهم سياساتهم المبنية على أساطير توراتية غير آبه إلا بما يجنيه من أرباح، وهو استخدمهم ، بما لهم من نفوذ، لإرهاب خصومه في الدولة العميقة. ولم يكذب إيمانهم فاعترف بالقدس "عاصمة أبدية" لإسرائيل وخطط لـ "صفقة القرن"، وبدأ السعي لإنهاء المسألة الفلسطينية بعدم اعترافه بحق اللاجئين بالعودة والتهديد بتخريب أي بلد لا يوافقه سياساته.

سياسة ترامب ليست طارئة على الإدارة الأميركية، خصوصاً في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، او بالنظرة إلى العرب عموماً، فقد عرفنا مثلها في مراحل كثيرة، في عهد ريغان وبوش الأب والإبن، حتى أوباما الذي كان "مختلفاً عرقياً" لم تكن سياساته في الشرق الأوسط مختلفة كثيراً عن سابقاتها.

يحتدم الصراع بين الدولة العميقة والطائفة العميقة في أميركا وينعكس صراعهما على العالم العربي حروباً في هذه المنطقة المنكوبة. وما سياسات ترامب سوى صدى لهذا الصراع وليس مهماً أن يصفه كوهين بأنه كاذب فهو "يقول الحقيقة دائماً".