صلاحيات الملك
تجد بعض الاحزاب والشخصيات السياسية من »التعديلات الدستورية« مناسبة للمطالبة بالحد من صلاحيات الملك. ويذهب آخرون الى تفسير هذه المطالب بان يكون دور الملك في الاردن مثل دور الملوك في بريطانيا وبلجيكا والسويد.. الخ.
ويمكن تفهم مثل هذه الطروحات في زمن تزدهر فيه الاحلام السياسية في سماء الربيع العربي. لكن يتعين على الذين يتبنون مثل هذه المطالب ان يتوقفوا امام حقيقة ان جميع الحركات الاحتجاجية, المنادية بالاصلاح في البلاد تتوجه جميعها الى الملك وليس الى الحكومة او مجلس النواب, من اجل رعاية وحماية الخطوات التشريعية والقانونية لعملية التحول نحو الديمقراطية, وهذا ينطبق على جميع اطراف المعارضة بمن فيهم الاخوان المسلمون, عندما رفضوا ان تقوم الحكومة بتشكيل ورعاية لجنة الحوار الوطني واللجنة الدستورية, وطالبوا بان يتولى الملك هذه الخطوات كلها.
هذه الحقيقة تتناقض مع شعار تحديد صلاحيات الملك. ولقد سمعت من عدد من شباب الحراك الشعبي اقوالا حاسمة, بانهم لا يثقون بأي مسؤول, وأنهم لا يقبلون بغير »كلمة الملك« واللقاء معه, وهذا سمعناه على مدى الشهور الماضية من قادة الاخوان المسلمين ومن شخصيات وفعاليات (وسطية). وفي رأيي ان كل هذا لا ينطلق من فراغ. انما من تقاليد سياسية ترسخت على مدى عقود في العلاقة بين الاردنيين وملوكهم الهاشميين.
في هذه المرحلة وفي المستقبل لا غنى عن دور الملك وصلاحياته سواء في التنمية والاصلاح الاقتصادي, او في الديمقراطية والاصلاح السياسي. ولو اخذنا الثمانية شهور الاخيرة لقياس دور الملك في هاتين المسألتين لوجدنا انه نجح في الحصول على مليار و 400 مليون دولار مساعدات من السعودية. والحديث عن مبلغ مماثل او يقل قليلا من دول الخليج. واذا اضفنا هذه الى المساعدات الدولية الثابتة للخزينة وقطاعات الدولة المختلفة, نجد دور الملك فاعلا ونشطا وناجحا واساسيا.
وفي مسألة الاصلاح تجسد دور الملك في الثمانية شهور بتشكيل لجنة الحوار وتقديم الغطاء والضمانات الملكية لها بتبني توصياتها حول الاصلاح السياسي وقانوني الانتخابات والاحزاب. وكذلك قيام الملك بتشكيل لجنة التعديلات الدستورية, وذهابه الى ابعد من مطالب المعارضة والشارع, عندما كلف اللجنة ليس فقط بالعودة الى دستور ,1952 وانما اجراء التعديلات على جميع بنوده بما يخدم مرحلة التحول نحو الديمقراطية والتعددية.
واليوم; تطالب قوى وفعاليات سياسية, ان يتدخل الملك من خلال دوره المعنوي والقيادي لنقل البلاد من مرحلة (النظريات الاصلاحية) الى مرحلة التطبيقات بتشجيع وتوفير المناخات الوطنية والسياسية والامنية لبناء التعددية وضمان نزاهة الانتخابات المقبلة.
وحتى لا يفهم احد بأنني ادعو الى تركيز السلطة بيد الملك, لا بد من استكمال الموضوع بتأكيد (1) ان امكانات الاردن وموارده الذاتية لا تسمح بان يكون دور الملك كما هو في »الملكيات الاوروبية« التي وصلت الى ما وصلت اليه بعد قرون من تطور المجالس النيابية الديمقراطية. ان الاحترام والمكانة لملك الاردن, لا تأتيه فقط من نسبه لآل البيت, انما من قدرته, ايضا, على قيادة بلده وشعبه في ميادين التقدم والتطور كرئيس دولة في العصر الحديث, لا يحكم بالقهر وبقوة السلاح انما بتنفيذ السياسات التي يريدها الشعب.
(2) ان تراجع الحكومات والمجالس النيابية في اداء واجباتها الدستورية وتخليها عن مسؤولية ما تملك من سلطات, بحجة »ان الملك يريد« و »المعلم يريد هذا« ووجود »اوامر من فوق« هذه المزاعم والممارسات الضعيفة لاصحاب السلطة واحيانا كثيرة بسبب مغريات الفساد والافساد هي المسؤولة عن اثارة مسألة تحديد صلاحيات الملك, بينما المشكلة تكمن في تخلي الحكومات والمجالس عن كثير من سلطاتها الدستورية. وعندما تمارس كل من الحكومة والمجلس النيابي والقضاء صلاحياته وفق الدستور لن تكون هناك مشكلة صلاحيات. وعندئذ سيكف الاردنيون عن حالة عدم الثقة المتردية جدا بالمسؤولين والنواب. وعندها بتكامل دور الملك القيادي مع استقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية, في ظل الدستور ودولة القانون.0