لا تمسوا الرغيف
تستعد الحكومة للبدء في تطبيق خطة قديمة لرفع الدعم عن الخبز والغاز تحت عنوان "ايصال الدعم إلى مستحقيه"، وقد كان قرار رفع الدعم عن هاتين السلعتين جاهزا للتطبيق في أواخر ايام حكومة سمير الرفاعي، لكن الحراك الشعبي حال دون ذلك، وعاد القرار إلى أدراج الحكومة التي نكتشف الآن أن الملفات والقرارات لا تضيع فيها.
نعرف واقعنا جيدا، وتؤلمنا الأرقام التي تتحدث عن حصة الفرد من الدين العام بدلا من حصة الفرد من الناتج العام. ونعرف أيضا خطورة الاستمرار في الدور الرعائي للدولة، لكننا نستشعر في الوقت نفسه خطورة اللجوء إلى قرار رفع الدعم، أي رفع الأسعار، لهاتين السلعتين تحديدا في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تلقي بظلالها على حياة آلاف الأسر الأردنية في مناطق بالعاصمة وفي أجزاء كبيرة من المحافظات.
صحيح أن بلدنا مستقر وأن شارعنا هادئ وأن حوارنا الإصلاحي حضاري، لكن الصحيح أيضا أن هذا الاستقرار ما كان ليتحقق في زمن الغضب والغليان في شوارع العرب، لولا حكمة صانع القرار ورؤيته الصائبة لواقع البلاد والعباد.
لا نريد لهذا الهدوء أن ينتهي ولا نريد لصورتنا الحضارية في الإقليم وفي العالم أن تخدش بقرار لا يراعي استحقاقات المرحلة، ولا ينتبه إلى الكلف السياسية والأمنية الباهظة للمس برغيف الخبز، حتى لو ابتكر أصحاب القرار وسائل لإيصال الدعم إلى مستحقيه كالبطاقة الذكية أو غيرها، فقد جربنا وسائل كثيرة من هذا النوع في السنوات السابقة، لم تحظ بالقبول ولم تحقق أهدافها وتم التخلي عنها، وبقيت الاسعار مرتفعة. وما نزال نذكر تجربة صرف الطحين والأرز والسكر بدفتر العائلة، واستبدال دعم الكاز بمبلغ نقدي لم يصمد في جيوب مستحقيه أكثر من ليلة أو ليلتين في شتاء طويل.
قد يؤدي قرار رفع الدعم عن الخبز والغاز إلى حل مشكلة كبيرة في موازنة الدولة، لكنه يخلق مشاكل أكبر كثيرا من تضييق الفارق بين رقمين في الميزانية، ويعيد التذكير بعجز الحكومات المتعاقبة عن تضييق الفوارق الرقمية بين دخول مواطنيها ومستويات معيشتهم.
هناك نتائج سياسية وأمنية ومجتمعية لا بد من قراءتها بدقة قبل التورط في اللجوء إلى الخيار الأصعب. وهناك حلول لا بد أن تكون موجودة لدى الفريق الاقتصادي للخروج من عنق الزجاجة، من دون حشرنا في عنق زجاجة أصغر.
نتفهم ضرورة شد الأحزمة في اللحظات الصعبة، ونعرف أن دولا كثيرة في العالم تلجأ إلى هذا النوع من الحلول لمشكلاتها الاقتصادية، لكننا لا نستطيع قبول التفسير الرقمي مجردا من تبعاته الاجتماعية، ولا نستطيع قبول المساس بوجبات الخبز والشاي التي كانت وما تزال وجبات رئيسية لعائلات كثيرة في بعض قرى المحافظات وفي بعض أحياء عمان، بينما تجود الحكومات بالإعفاءات والتخفيضات الضريبdة لبنوك وجهات استثمارية كبيرة، وتقدم الدعم بالملايين لشركات لا تأبه بحاجاتنا، ولا تتردد في تجميد أعمالها أو وقفها أحيانا مهما كان تأثير هذا الوقف كبيرا على حياتنا. وقد رأينا قبل اسابيع كيف قررت شركة مدعومة فجأة سحب حافلاتها من خطوط عملها في العاصمة ما سبب أزمات خانقة وارتباكا كبيرا في شوارعنا.
الاقتصاد والسياسة والأمن حزمة واحدة، ومن يحاول الفصل بينها لا يحصد غير الفشل.
fuad.abuhejleh@alghad.jo