إلى متى الاستهتار بأرواح الناس على الطريق

كل يوم تطالعنا الأخبار بحوادث سير مرعبة، ينتج عنها فقدان شبابنا في سن الورود، وإصابات جسدية تلحق بالناس تصل الى درجة العجز وتشوهات واعاقات مختلفة، إضافة الى الضرر النفسي الذي يحدث للمصابين واقاربهم، ناهيك عن الأضرار والخسائر المادية الضخمة التي يدفعها الوطن من ناتجه القومي لصيانة واصلاح و شطب السيارات المتضررة وتكاليف المعالجة للمصابين بسبب حوادث السير.

والغريب بالموضوع ان الأمور أصبحت في مجتمعنا أكثر من عادية، وبالرغم من معرفة الأسباب المؤدية اليها إلا أن اجراءات الحد منها لا تزال دون المستوى المأمول. علما أن الحلول بسيطة ومعروفة، الا ان التطبيق يتم بطريقة غير مقبولة ابدا. وأرجو أن أضع بين ايديكم بعضا من نقاط الضعف في الحلول والاجراءات التي تحد من ظاهرة حوادث السير على الطريق:

أولا:- لابد من الرجوع الى نقطة البداية وتقييمها للوصول الى حل عملي ومعقول لأي مشكلة في العالم ومن ضمنها حوادث الطرق، ونبدأ من التدريب العملي والنظري في مراكز تدريب السواقين التي لاتزال بالأردن كما كانت عليه الحال في الأردن منذ اكثر من خمسين عاما اللهم الا الامتحان النظري الذي اصبح يقدم من خلال الحاسب الآلي، باقي ىما تبقى فقد عفا الزمن على اساليب تدريب قيادة السيارات، وهنا لا بد من اتاحة الفرصة للتطور والتركيز على مستوى التدريب والتأهيل لقيادة السيارات لتصبح دراسة لا تقل عن سنة كاملة بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي ولا بد ايضا من استخدام وسائل التدريب الالكتروني على نماذج تحاكي الواقع وكيفية التعامل مع عناصر الطريق وان يكون هنالك ساعات تدريب الكترونية كافية ومن ثم الانتقال للتدريب على سيارات التدريب العادية بعد ان يكون قد استقى أسس االقيادة الكترونيا وإتقانها بشكل تام، وهنا لا بد من الرجوع الى اساسيات التدريب وشعاره الجوهري بأن القيادة فن وذوق واخلاق، هذه القيم االتي افتقدناها بشكل شبه تام على الطريق والكل يشكو من القيادة واخلاقيات السائقين والمضايقات المرورية التي تتم والكل يعمل على سرقة الطريق بهمجية دون اية مسؤولية او مراقبة لا مراقبة اخلاقية داخلية ولا رقابة خارجية.

ثانيا:- ان سلوكيات رجل االسير مع كل احترام لرجل السير وعمله؛ الا ان الكثير من سلوكياتهم لا تزال تنضوي تحت مفهوم الجباية من المخالفات ولم ترتقي ابدا الى مستوى المسؤولية والحماية للمواطنين بالدرجة الأولى، وانا اشاهد هذا السلوك يوميا على الطريق، ولا يمكن الاعتماد على رأي ادارة السير بأن هذه السلوكيات فردية كما تدعي دائما ، وعدم الاعتراف بهذا السلوك لرجال السير يبقي المشكلة في مكانها، وعلى سبيل المثال لا الحصر انه خلال توجهي الى عملي اليومي؛ أقوم بالمرور بشارع الاستقلال ومن ثم الى جبل الحسين منطقة اشارة دوار فراس وبالفعل يكون هنالك عناصر من إدارة السير يوميا، ولكن للأسف يكون مكان وجودهم بالمنطقة الخطأ على امتداد الشارع من اشارات فراس باتجاه مياهنا ويقومون بالصاق المئات من المخالفات في كل ساعة على السيارات الواقفة على جنب الطريق بأمان الله، بينما المشكلة المرورية الحقيقية على الاشارة، ونعاني الأمرين وقت الأزمة هناك، بينما رجل السير مشغول بالجباية وللأسف يكون اكثر من شرطي بالمنطقة.

ثالثا:- مسألة تأمين السيارات التي ساعدت الكثير من السائقين على التهور والطيش والقيادة بلا مسؤولية وبدون اخلاقيات وقواعد المرور الأمر الذي يتسبب بالكثير من الحوادث، كونه يعتمد ان اية اضرار تصيب مركبته او المركبات الأخرى وأرواح الناس يتم تغطيتها من قبل شركات التأمين، وهنا لا بد للمجتمع للتحرك لوضع حلول لهذه المسألة والغاء التأمين هذا الذي يمص دماء المواطنين ويبتزهم، مما ساعد على شيوع افكار واخلاقيات موازية لتصرفات شركات التأمين بالتلاعب والنصب والاحتيال سواء كان ذلك من قبل بعض المواطنين او من شركات التأمين لفقدان الثقة بشركات التأمين من اساسه.

رابعا:- الاستهتار وعدم المسؤولية في قيادة السيارات والتنمر على السائقين الآخرين في الطريق وتهديد حياة الناس يستدعي من الجميع وقفة رجل واحد لاصلاح هذا الخلل وتحميل هذه الفئة من السواقين المسؤولية الكاملة عن اية حوادث او مخالفات او اية سلوكيات من شأنها تهديد حياة المواطنين ومركباتهم.

خامسا:- نعود الى مسألة الجباية في سلوكيات ادارة السير المركزية من خلال الكم الهائل من الكاميرات الموجودة بالأساس لضبط المخالفات المتعلقة بالسرعة وحزام الأمان، بينما عمليات الطيش والتهرب والتجاوز الخاطىء والتهور وعدم اتباع القواعد المرورية وحالات التنمر على الآخرين خلال القيادة لا تزال غير مفعلة بهذه الكاميرات مما يبقي مظاهر الخطر وتهديد حياة الناس موجود بمستويات عالية في غياب الرقابة الالكترونية الموجودة على الطرقات إضافة الى غياب رجل الأمن نهائيا عن الساحة خلال المسير ويقتصر عمله الظاهر طبعا للوقوف على الاشارات الضوئية او مخالفة السيارات المتوقفة على جانب الطريق في امان الله وكأن هذه السيارات هي سبب االمشكلة علما بأنها سيارات متوقفة ولا تشكل اي اعاقات او مضايقات مرورية بل المضايقات من السيارات المتحركة التي يقودها اشخاص تنقصهم احيانا الدراية والوعي والمسؤولية بمخاطر الطريق.

وهنالك العديد من الأسباب التي تحصد الأرواح والممتلكات ومنها هندسة المرور التي يقع على عاتقها مسؤولية كبيرة نظرا لعدم اجراء دراسات كافية ورصد لحالة المرور على الطرقات وايجاد البدائل الملائمة للتخفيف من الأزمات المرورية الخانقة التي تعاني منها مراكز المدن بالمملكة دون استثناء،

إذن نحن أمام حالة صعبة بحاجة الى عمليات توعية وتثقيف ومتابعة وملاحقة، وحيث ان اجراءات الحل مختزلة بمخالفات مادية، وهذه المخالفات غير رادعة بدليل تكرار هذه المخالفات باستمرار من معظم المخالفين، لذلك لا بد من اجراءات اخرى اكثر فاعلية منها التوقيف الإداري لعدة ايام وسجن حقيقي لمن يتسبب بالاضرار، والتوسع في ذلك بدلا التوسع بالعقوبات المادية التي هي وسيلة عيش أسر وأطفال، وكل شخص غير مؤهل بالقيادة على الطريق لثبوت سوء تصرفه وعدم احترامه لقواعد المرور لا بد من سحب الرخص سواء كان ذلك رخصة القيادة او رخصة السيارة وحجز السيارة المخالفة عدة ايام، لتكون بالفعل العقوبة رادعة وفورية ويكون فيها قرار قاضي عادل مختص بالنظر بهذه المسألة وأن يكون دور رجل المرور رصد المخالفة وتحويلها الى القاضي المختص ليقول العدل كلمته وفي هذا حماية لرجل المرور ايضا من الاصطدام المباشر مع المواطنين

واخيرا لا بد من إلزام جميع المركبات على تركيب كاميرات امامية وخلفية على السيارات وتسجيل التحركات على الطريق ورصد المخالفات بطريقة واضحة تضمن عدالة المخالفات بعيدا عن شخصنة رجل السير ومزاجيته، وهذا يساعد كثيرا خلال عمليات التحقق من المخالفات وضمان العدالة في الأحكام.