بقايا مواطن

بقايا مواطن
 
 
اليوم ثبت بالوجه الشرعي أن أول أيام العيد سيكون غداً.
 
وفي هذه الأثناء لجأت إلى بقايا شرفة المنزل المتهالك وأراقب القريب والبعيد لأشاهد أحد الجيران يحمل أبنائه فرحاً وباليد الأخرى يحمل أكياس يبدوا بداخلها ثياب وأنا يعشعش بمنزلي الذباب،،،
وهناك أم كلثوم تصدح من بعيد على الراديو،،،يا ليلة العيد آنستينا،،،وأضواء وألعاب نارية تطلق من هنا ومن هناك
من حرمني من هذه الفرحة ومن له الحق أن يحرم أبنائي فرحتهم ومن يحق له أن يمنعني من الخروج لمنزل والدي
هذا الفقر وهذا العوز الذي تمنيت الانتقام منه على أفعاله المشينة بالناس فالعزيز أصبح ذليل والفاسد أصبح الحكيم.
وأنا أصرخ من بيت الصفيح خاصتي وأنادي بأننا لم يتبقى عندنا شيء نبيعه وبقية ملابسنا أحرقناها الشتوية الماضية والمدارس على الأبواب وأصبح أبنائي ينادون بإسقاط النظام،،، من هنا أنادي وأقول يا رب هل يرضيك هذا الفقر وهذا القهر ومن حولي ينساب المال كالماء المنهمر.
رائحة المعمول بكل مكان وأنا مشدوهاً غير سامع ولا مبال أصلا بأبواق المركبات التي أطلقها أصحابها احتفالا بالعيد دون أن يشاركوني نظرة الوداع على آخر عشرة دنانير كانت معي فأنا يممت وجهي من الديون المتراكمة وأصبحت مطلوباً للبقال واللحام والخضري وأخاف المرور من أمامهم.
بهذه اللحظة وقفت أمام طلبات أبنائي مكتوف الأيدي غير قادر لا يسعني سوى دمعة حارقة هربت من بين جفني لم يسعني إلا أن ألوم ظروفي القاهرة وأمانتي المفرطة.أدركت حينها أنه لم يعد هناك عدل ولا عدالة وأيقنت أنه لا خلق ولا أخلاقيات لذا عزمت أمري على أن لا أحتفظ بأي شيء جميل في حياتي لا ذكرى ولا ذكريات.
ابنتي الصغيرة تبكي هناك بالركن العتيق تنادي بالصوت المرتفع ،،،حقي أن أشتري ملابس العيد كغيري من الأطفال وتدق بقدمها على خلجات قلبي الموجوع ونفسي المفجوعة وعيني الدامعة وكرامتي الخانعة.
ويأسي بلغ سن الفطام من الظروف القاتلة ومن راتب موظف قد أقدم على الانتحار منذ أعوام ولم يتبقى شيء سوى الهم اليومي والطلبات التي لا تنتهي هنا وبهذه الساعة الجنونية وعندما شب عن الطوق بأسي وشاب مفرق فقري وقهري فلم يعد بهذا الوطن متسع لاثنين إما الكرامة وإما لقمة الحرام.
ولأن الكرامة لها شروط تعجيزية وشروط وشواهد بلغت سن العجز تكاد تكون مستحيلة وعجوز شمطاء.
فإن لقمة الحرام عند البعض ما زالت شابة يحق لها أن تمشي بين الناس عارية فلعاب بعض الرجال المصنوع من نساء ومال يسيل لهذه اللقمة الممشوقة القامة قليلة العجز الشهية،،،تباً للكرامة حينما تنام لقمة الحرام في حضن الرجال الذين يعشقون المال والجنس فهل تسمحوا لي الليلة أن أبحث عن نعال ،،،فقدمي عارية ومتسخة وأن أركض إلى منزل أمي وأبي وأقبل أياديهم لأنال رضاهم وبعدها القوني بالنار،،،أكتب إليكم كلمات من لهب لتاريخ قد ذهب ولن يعود.
هلا بيكتم يوماً على فقدان غال ابكوا اليوم أيها الفقراء فقد حق البكاء فان الأمة التي لا يوجد بها عدالة اجتماعية تستحق الاستعباد والشعوب التي لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع تستحق التشرد والبلد الذي لا فرحة فيه لا تراث فيه والنفس التي لا تحمل الحنين جيفة واللسان الذي لا ينطق الحق يتوجب قطع فيا دمعة انسابي على آخر معاقل الكرامة البشرية حينما يهتك الفقر بيوتنا بجرافات من فولاذ ويسرق ذاكرتنا وفرحنا وأبنائنا فنحن ممن يشاهدون الفاكهة بالسوق ويتحسرون وممن يشاهدون اللحوم عند العزاء وعندما يذبح نفر من الناس ذبيحة ويوزعها على فقراء الحي هذا هو نحن اليوم.
فأنا اليوم أوشكت على أطلال عمري وكأنما العيد ليس لنا ولا يحق لأبنائي الفرح كغيرهم فنحن الفقراء حصدتنا الأيام كسنابل قمح تبكي من جور منجل الغلاء والاستغلال والفساد.
في هذه الساعة وعند انتهاء آخر كلماتي نام أبنائي وهم ينعمون بالدموع التي انهمرت منهم كالشلالات يبكون على عجز أبيهم ويطالبون بالمساواة الاجتماعية وشراء ثياب العيد كغيرهم فنحن لا عيد ولا ثياب ولا معمول ولا فرح ،،،يا رب هل يرضيك هذا العجز وهذا الفقر وهذا الاستغلال أشكو همي لرافع السماوات ومقسّم الأرزاق بأن يعم الفرح والسعادة جميع الناس.
لم يتبقى شيء لنبيعه مدارس وأقلام ودفاتر على الطريق وشتاء قادم يا عالم بحالي عليك اتكالي.
كل عام وأنتم بألف خير.
الرجل المتهالك الداعي بالخير
هاشم برجاق
الموقع الرسمي للكاتب
www.hashem.jordanforum.net