اخيرا وصلت الدفعة الاولى من ابناء العقبة المحتجين على اوضاع البطالة الى عمان فيتوجهون الى الديوان الملكي ليقابلهم رئيسه ويقنعهم بالعودة من حيث اتوا على ان يجري تأمينهم بفرص عمل خلال فترة وجيزة. قبيل وصولهم الى عمان كان تصريح دولة رئيس الوزراء "بأن الحكومة لا تستطيع توفير فرص عمل لكل العاطلين” كما تداولت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ردا من وزارة الداخلية يتضمن اشارة الى ان احد المنظمين للمسيرة رفض فرصة عمل براتب معقول جرى توفيرها له واخرى تم توفيرها لشقيقه، في الخلفية ايضا بيانات اصدرتها وزارة العمل تقول ان هناك فرص عمل تتجاوز في مجموعها 3000 فرصة تتوزع على المحافظات. اذا كانت هذه الحالة فما الذي يجري وكيف يمكن نظم الخيوط اذا كان ذلك ممكنا؟
في المشهد الكثير من الصور والاحداث واللاعبين وهو محير وغريب يثير جملة من التساؤلات اهمها كيف يمكن التوفيق بين كل هذه المتناقضات المتعلقة بوجود العمل وغيابه؟ والمطالبة به ورفضه، وتوفيره لاشقاء شكل احدهما ضغطا وكيف يجري التصريح بهذا الاجراء الذي يبدو انه اصبح وسيلة، ومنذ متى تنشغل السلطات المحلية بتقديم عروض وظائف لناشط وتتبع ذلك بعرض لشقيق له، وكيف يختلف ذلك عما قامت به الحكومة في حادثة تعيين اشقاء النواب، وهل اصبح ذلك نهجا لحصول الافراد والجماعات على مكتسبات وظيفية وغير وظيفية؟
قائمة الاسئلة التي تطرحها المناسبة واسلوب معالجتها لا تخلو من الاستفسار عن اذا ما كان هناك 400 فرصة عمل متوفرة في العقبة فعلا ولماذا لم يتمكن الناس من الوصول اليها قبل تدخل رئيس الديوان الملكي؟ ام انها ستخلق استجابة للمطالب وكيف؟ والسؤال الآخر يتعلق بماذا لو جاءت مجموعة محتجين اخرى من العقبة لطلب وظائف جديدة؟ وكيف سيؤثر هذا الاجراء على مستقبل هذه الظاهرة في اماكن وبلدات اخرى؟ وهل هذا الاسلوب الامثل للتعامل مع هذا الوضع؟ وهل كان لدى الحكومة تصور للتعامل مع هذه الاحتجاجات؟ وما معنى تصريح وزير العمل بأن اجراءات الديوان جاءت بتنسيق مع الحكومة؟
في الأردن اليوم العديد من المشكلات والازمات بعضها مستعص والبعض الاخر لا يحتاج لأكثر من الهدوء والحكمة والدراية بأوضاع البلاد ومواردها والتفكير في كيفية توظيفها بالشكل الذي يخدم الناس ويحد من توالد الازمات والمشكلات الاخرى.
المؤسف أن بالامكان تجنب بعض هذه الازمات بشيء من الحكمة وحسن الادارة ووجود قدر من التناغم والتنسيق بين دوائر صناعة القرار. في مشهد البحث عن الخبز هناك الكثير من الاجتهادات التي قد تزيد الوضع تعقيدا وتنقل البلاد نحو حالة جديدة من المطالب والحلول الجزئية بترتيبات تخل بمبادئ الوضوح والعدل وتكافؤ الفرص التي نص عليها الدستور وراعتها القيم والتقاليد.
لا احد يعرف ما يمكن ان تسفر عنه المسيرات التي اخذت تنمو بمتوالية يصعب حصرها او التنبؤ بأعداد من سيشاركون فيها. الرحلة الاولى التي قام بها الدكتور العريني قبل اسابيع فتحت للعاطلين او المتعطلين ثغرة في جدار الصمت الذي خيم على بلدات وقرى واحياء عانى ابناؤها من البطالة وتحملوا قساوة الاوضاع منتظرين خروج البلاد من عنق زجاجة الملقي والدخول الى عصر النهضة الذي بشر به الرزاز.
لم يخطر ببال الدكتور العريني وهو يجهز اطفاله لرحلة الشتاء التي اخذتهم من بصيرا في جنوب البلاد الى عمان بأنه يطلق صرخة تجد صداها لدى آلاف العاطلين عن العمل ممن سيكملون رحلته التي توقفت بالقرب من سد السلطان بعد ان تعهد له نائب بأنه سيرتب له حلا.
صحيح ان البطالة موجودة في كل المجتمعات لكن المجتمعات لا تهمل حاجات الافراد للاكل والنوم والنظافة في مجتمع يرفع شعار التكافل لا بد من ضمان حد ادنى من الدخل لكل فرد عاطل عن العمل ريثما يتوفر له العمل، والا فإن كل ما يقال لا يعدو خطابة لا معنى لرنين مفرداتها ولا لبراعة الخطيب وسحر الالقاء وسماحة الملامح والايماءات.
الازمة الجديدة ما كانت لتنفجر بهذه الصورة لولا الممارسات الحكومية والنيابية التي عصفت بما تبقى لدى الناس من امل بوجود اسس ومعايير يلتزم بها القائمون على ادارة شؤون الناس. الاستجابة الحكومية لهذه المشكلة مرتبكة ومحيرة ولا تبعث على الاطمئنان ولا الثقة.