بداية الإصلاح .... المدرسة



ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال لأسباب كثيرة ، منها عدم رغبتي في الخوض في موضوع مرتبط بالقضايا التربوية ؛ لأن المنظرين في هذا المجال ما تركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وفتحوا لها أبوابا لا تزال مشروعة في إطارات فلسفية لاتسمن ولا تغني من جوع ، في حين أن الواقع يسير بخلاف ما نتمنى والنماذج التي تدمي القلب في مدارسنا أكثر من أن تُحصى .

واقعٌ تشهده مدارسنا في الوقت الذي يتربع على كراسيِّ صنع القرار في مراكز الوزارة ومديرياتها كفاءات تستحق أن تُحترم في مجالٍ أكاديمي وتربوي يجعلنا نعتقد أن الواقع التربوي في مدارسنا بخير .

العجيب في ذلك كله أن جزاء كبيرا من أصحاب صنع القرار في وزارة التربية يعترفون بشكل غير رسمي بالانحدار الذي يزداد كل يوم أقف فيه لأرى كيف أصبح طلبة مدارسنا يفرون وبأعداد كبيرة من الوقوف في الطابور الصباحي ، بل إنهم يختلقون أعاجيب الأعذار ليتم إعفاؤهم من الطابور بل قد يستعينون بآبائهم لإنجاز هذه الرغبة ، مما يدل على ضعف تحقيق نتاجاتٍ وجدانيةٍ لا قيمة لكل نظرياتنا التربوية إن لم تتحقق هذه النتاجات المرتبطة بالوطن وحبه .
وطن أصبحنا فيه أشبه بشهود الزور ، ما إن نرفع أمام طلبتنا شعاراته حتى نجدهم غير مكترثين بكثير مما نقول ونروج ، كيف لا ؟ .... وهم لا يرون أفقا ومستقبلا يخرجهم وذويهم من أزماتهم الاقتصادية التي تتراكم أزمة فوق أزمة .
ولكن في المقابل لا يعترف هؤلاء المنظرون بالأسباب الحقيقية في مأساوية الواقع المدرسي ، ورغم وجود القادة التربويين العارفين بما ينبغي أن تسير وفقه مدارسنا لتصل إلى مرحلة الحياة الحقيقية التي نرغب بالوصول فيها إلى بر أمان لنا وللوطن إلا أن شخوصا آخرين تسللوا إلى بعض مراكز صنع القرار في وزارة التربية من خلال مؤهلات المحسوبية والعلاقات الاجتماعية التي أفرزتها قيم اجتماعية لا وطنية تغلغلت في كل مفاصل الجهات الرسمية لتفرز لنا في كل وزارة أو مؤسسة حكومية الغث والسمين حتى وصلنا حد التخمة المفرطة في وضع من لا يستحق في المكان الذي لا يناسبه وقس على ذلك الكثير .
وحتى من يحاول الخروج بالواقع التربوي في مدارسنا من انحداره يجد في الميدان من هم غير قادرين على القيام بالحد الأدنى المطلوب منهم للوصول بالميدان التربوي إلى بر الأمان ، بعض هؤلاء يحمل شهادات عليا ويخطئ في قراءة عنوان كتاب رسمي قبل أن يوقعه ، ويرفع سماعة الهاتف ليتوسط لطالب قام بالاعتداء على معلم بالضرب ليتم تخفيف العقوبة عن هذا الطالب .
وأتذكر في هذا الإطار قصة حقيقة حدثت مع أحد مدراء المدارس حين تحدث مع ولي أمر طالب ليخبره بخبر ابنه الذي قُبض عليه بسيجارة داخل دورات مياه المدرسة ليكون رد الأب ( هو امدخن على احسابك ، شو دخلك خليه يدخن ) طبعا حُقَّ لهذا الطالب أن يتدرج في مدارج الفساد ليصبح يوما ذو شأن .
يرافق هذا وذاك سوء في التعليمات الناظمة ، والتي تقف عائقا أمام أي محاولة من قبل المخلصين وأصحاب الكفاءات للتطوير أو حتى الإصلاح .
وخلاصة الأمر أننا إذا أردنا أن نصلح سياستنا واقتصادنا ومجتمعنا والوطن بكل مفرداته فعلينا بإصلاح مدارسنا من الفساد الكامن فيها والذي ينتقل بالعدوى إلى كل مفاصل الدولة .
بقلم : هيثم أبوهديب