حِراكُنا مِن أجلِ الحريّةٍ لا من أجلِ لُقمةِ عَيشْ...!

حِراكُنا مِن أجلِ الحريّةٍ لا من أجلِ لُقمةِ عَيشْ...!

 

أصبح علينا لزاماً أن نتفق نحن الأردنيّون حول دواعي ودوافع حراكنا الإصلاحي، فهناك من تسمعه يقول أنّ النّاس تحرّكت وخرجت من أجل لقمة العيش فقط، وهناك من تسمعه يقول لا، إنّها من أجل الحرّيّة التي يقوم مكانها الآن طيفُ إذلالٍ، ولون مهانة، وسواد ظلمٍ وفساد، ومسخرة توريث، وجميعها لا تعني في الخلاصة سوى آفة الاستبداد والاستعباد مقابل الحرّيّة... .

 

إنّ من يقول ويتفوّه ويثرثر بطيبةٍ لدرجة السّخف والسّذاجة بانّ النّاس قد تحرّكت وخرجت من أجل لقمة عيش تأكلها، أو من أجل بطالة تعاني منها أو تكاد تقتلها وتهلكها؛ لهو ببغاء تحفظ وتردّد للأسف ما يمليه عليها صاحبها، فهذا الكلام هو نفس كلام غير الشّرفاء والفاسدين، وكلام كلّ من لا يُحب الأردنّ ويحيك لأهله بالظّلام ما لا يُحمد عقباه أو يؤتمن جانبه، هؤلاء هم الذين يتمنّون ويريدون تحويل تجربة الأردنيّين وخروجهم مطالبين بالإصلاح والتّغيير السّلميين إلى محاولة تسوّلٍ والتماساتِ وظائفٍ وعلاواتٍ ورواتب ومكارم هنا وهناك...، وهنا لا نُنكر أنّ هناك قليلُ قد شارك في الحراك وطلب على استحياء بعض المطالب الشّخصيّة بورقة مُقوّية ويمكن أنّه قد رفعها على حائطٍ ما أو في بعض المسيرات والاعتصامات، ولعله أراد من ذلك إثبات وجود أو ترك بصمة في لقطة تلفازيّة...، ولكن من خلال ما شاهده الأردنيّون والعالم كلّه؛ لم نجد إلّا آلافٍ من اللافتات المُدهشة والقيّمة والتي كانت تكتنز بمطالب سياسيّة حقيقيّة ومستحقّة للأردنّ والأردنيّين... .

      

لقد كثر اللغو واللغط بحمايةٍ رسميّة وإعلاميّة، لدرجة إظهار الأردنيّ غير مُبالٍ أو مهتمٍّ سوى بأكل (الزّنجر والقطايف) وبشرب (التّمر هندي والعرق سوس)، فلا يهتمّ بانتخاباتٍ أو دستورٍ، فما يهمّه أوّلاً هو مستواه المعيشي فقط، وكم سيدخل عليه راتبٌ أو معاش أو علاوة، والمُقزّز المُرعب...؛ أنّ هذان - اللغو واللغط -  لا يزالان يتكرّران ويتردّدان وكأنّ الشّارع استقرّ والأمن قد استتبّ، أو أنّ حركات الإصلاح والتّغيير قد انتهت في (دوّار الدّاخليّة) أو في (ساحة النّخيل)...، ومن يقول بذلك فهو ضارٌّ لنفسه وغيره، وغاشٍّ لولي أمره ومليكه...، فالنّاس صابرة لا خائفة، وعلى كلّ وليّ أمرٍ أو مسئول أن يضع في حسبانه ذلك القول الأبلج: (احذر اللئيم إن أكرمته، والكريم إن أهنته)...فاللؤماء في دار الكرماء أضحوا (المعازيب) والكرماء هم الضّيوف...، فما أكبرها من خطيئة في قاموسِ (هزّاعٍ) وما أبلغها من إهانةٍ في ناموسِ (وصفي...)!!!

 

الحرّية (...وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا)، والكرامة والكبرياء وعزة النّفس (فإمّا حياة تسرّ الصّديق...)، جميعها أهدافُ حياةٍ لكلّ أردنيٍّ، ويجب أن تكون كذلك، فليس لديه أدنى معنى لأسعارٍ منخفضة أو انحناء الحدّ الأدنى للأجور، فما يملكه الأردنيُّ من معاني هو أن لا يكون رأسه مُنخفضاً أو عنقه منحنية...، فحراكه من أجل كرامةٍ لا من أجل خبز وكعك، ولن يتوقّف أو يكلّ ويملّ وهو يسعى للإصلاح السّياسي والتّغيير وهو يعلم أنْ لا عدالة اجتماعيّة، ولا أجور عادلة، ولا وظائف متوفّرة، ولا عيشاً هانئاً، ولا سكناً آدميّاً...، بدون ثلاثة تتكوّن منهنّ الحرّيّة وهي: ديمقراطية حقيقيّة غير منقوصة، دستورٍ معبّرٍ عن الجميع ومؤكّد على قيم العدل والمساواة، وانتخابات حرّة نزيهة... .

 

وعلى كلّ من يقول ويزعم أنّ الأردنيّ يهتمّ بأكل الخبز أوّلاً قبل الانتخابات والدّستور والأحزاب (ولا أقول الوطن البديل)؛ عليه أن يقرنها لنا بأدلّة علميّة دامغة، وتأتي من خلال دراسة صادقة أو استفتاء نزيهٍ أمين، وإلّا من قال لهم ذلك ومتى؟ وهل يعجز الأردنيّ على غزارة علمه وثقافته أن يعلم ويوقن بأنّ الحرّية هي مفتاح الإنسانيّة الكريمة والاقتصاديّة...؟ فلا التّخبّط والعشوائيّة والفشل جميعها ستزول، ولا الفقر سيختفي البتّة إلّا عندما يملك الشّعب خياراته وقراراته، ويصبح لديه القدرة على اختيار رؤسائه ومن يمثّلونه بنزاهة وحرّيّة، وله الحقّ في أن يراقبهم ويحاسبهم ويزيلهم حال يفشلون...، لذا هو يعلم أنّ الحرّيّة أوّلاً وما بعدها هيّنٌ ليّن...، وليس الخبز كما يدّعي البعض ويزلف!   

 

مَن هدفه أن يأكل الخبز أوّلاً؛ فإنّه سوف يأكل بدلاً منه سياطاً حارّة، وسيرفع رأسه دوماً ولن يَحْنِها مُضطرّاً من شدة الألمِ...، لا افتخاراً وزهواً بما تبقّى له من إنشودة العَلَمِ...!!!