ما بين ستيف جوبز ومعمر القذافي!

 


 


في نفس اليوم الذي كانت فيه قوات الثوار الليبيين تجتاح باب العزيزية وتنهي الحكم البائس لنظام معمر القذافي بعد 42 سنة من الضياع للدولة الليبية وشعبها، كان ستيف جوبز عبقري البرمجيات الأميركية ومؤسس شركة آبل العملاقة يقرر الاستقالة من منصبه كرئيس تنفيذي للشركة ناقلا صلاحياته إلى نائبه.

ستيف جوبز واحد من أذكى الناس الذين عرفتهم الحضارة الحديثة، وهو يشكل إلى جانب بيل جيتس قطبي صناعة البرمجيات العملاقة في الولايات المتحدة والعالم واللذان حققا أكبر نقلة نوعية في مجال المعرفة من خلال إنتاج الحواسيب والبرامج المختلفة والتي أسقطت وإلى الأبد كل حواجز المعرفة في التاريخ. ومع أن بيل جيتس تخلى عن مسؤوليته في شركة ميكروسوفت قبل عدة أعوام وبدأ بدعم مشاريع التنمية والصحة العامة ومكافحة الإيدز والملاريا محققا نموذجا رائعا في العمل الخيري استمر جوبز وهو يصارع السرطان في قيادة آبل لتصبح الشركة الأكبر في العالم وخاصة بعد إنجازه الأخير العظيم في إنتاج جهازي الآي فون والآي باد.

ستيف جوبز أنشأ شركة آبل في مرآب بيته الخاص في العام 1976 ولكن ذكاءه وطموحه فاقا الحدود الطبيعية ليؤسس إمبراطورية ناجحة للبرمجيات وكان يمكن له أن يبقى رئيسا مدى الحياة ولكنه قال وبكل تواضع في كتاب استقالته أنه لم يعد قادرا على تولي مسؤولياته وبالتالي آثر الابتعاد والتنحي حفاظا على مصالح الشركة. ولكن هذا لم يكن رأي الناس والمساهمين حيث انخفضت اسهم الشركة بنسبة 6% خلال يوم واحد وتنامى خطر كبير في تراجعها نتيجة غياب القائد الحقيقي لها والذي يحزن الجميع لغيابه.

وفي المقابل استلم العقيد معمر القذافي الحكم في دولة ذات موارد نفطية هائلة منذ 42 عاما وكان يمكن له أن يحولها إلى نموذج رائع في التنمية خاصة مع وجود شعب عريق ولا يبلغ تعداده أكثر من 6 ملايين في مساحة كبيرة وافرة بالموارد ولكنه قام بتأسيس واحد من أكثر أنظمة الحكم تخلفا في التاريخ مدمرا أجيالا من الليبيين وحارما إياهم من الحرية والتنمية والعدالة مضيعا ثروة بلاده وشعبه على نزق مريض ومغامرات بائسة ودعم للإرهاب والقتل ونرجسية هائلة تبحث عن الشعبية والدور القيادي والألقاب. القذافي وزع خيرات بلاده على منافقيه وأبنائه اصحاب التربية السيئة والذين نشروا في العالم العربي ومع أبيهم مفردة شتيمة من حرفين لا تسمح القيم الأخلاقية لهذه الصحيفة بنشرها ولكنها في الواقع اصبحت على كل لسان لوصف رأي الناس بهذا الرئيس والطريقة التي سيطر فيها على بلاده. وفي أول ظهور صوتي له طالب شعبه بالتصدي للمؤامرة وكأنه لا يزال اسيرا للوهم المريض الذي سيطر عليه منذ عقود وكأنه لا يرى نفسه مطاردا زنقة زنقة من قبل الشعب الليبي الذي عبر عن موقفه تجاهه بمختلف أنواع الإهانات التي شاهدناها على شاشات التلفزيون.

ليس القذافي هو الوحيد من الطغاة الذين يتمسكون بالهيمنة على شعوبهم التي لا تريدهم، وقد شاهدنا نماذج عديدة منهم لا تزال ترفض التنحي، أحدهم بالكاد يستطيع التحرك ولكنه يستمر في المكابرة وآخر استباح المدن والقرى وقتل الأطفال والنساء لحماية سلطته المكروهة التي فرضها بالحديد والنار.

يتنحى ستيف جوبز طواعية لأنه لم يعد قادرا على تقديم المزيد، بعد أن حقق نجاحا هائلا وصنع أكبر شركة في العالم بعبقريته وذكائه وقدراته القيادية، ويحظى باحترام كافة الناس. وفي المقابل يتمسك الطغاة بالحكم وهم لم يقدموا لشعوبهم إلا العذاب والقمع والفشل وهدر الأموال والموارد ولكن مصيرهم سيكون بائسا تماما مثل تاريخهم في الحكم.

batirw@yahoo.com