عقدان في الميزان

عقدان من الزمن عاشھما الأردن منذ رحیل الملك الحسین طیب الله ثراه، وتولي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسین–حفظھ الله- سلطاتھ الدستوریة، لندخل عھد المملكة الرابع من عمرھا الذي یوشك أن یبلغ قرنا من الزمان، قرنا شھد حروبا عالمیة وإقلیمیة، وتحولات سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة لا حصر لھا، ظل خلالھا الأردن محافظا على توازنھ، وكأنھ مركب وسط بحر ھائج، لا تقذفھ الأمواج إلى الشط من تلقاء نفسھا لیكون بأمان، وإنما یرسو إلیھا .بقدرتھ على الإمساك بالدفة تارة، وبالمجداف تارة أخرى قلت في السابق، أننا نعیش في منطقة ارتبط مصیر معظم دولھا بمدى ذكاء وحنكة قادتھا، لكي تبقى قائمة تواصل مسیرتھا نحو التقدم والنمو والازدھار، أو عكس ذلك لتضعف وتنكسر وتندثر، حتى لو بقیت قائمة في حدودھا الدولیة المتعارف علیھا، ولست بحاجة لإعطاء الأمثلة على ذلك لأنھا مؤلمة لنا جمیعا، بل لأنھ لا یلیق بنا عقد المقارنة لكي !ترجح كفة المیزان لصالح نموذجنا، مقابل الكفة الملیئة بالمآسي التي عاشتھا شعوب عربیة عزیزة علینا، وما تزال عشرون عاما كانت الأكثر فداحة في تاریخ المنطقة، انعكست جمیعھا على الأردن، وشكلت ضغطا ھائلا على واقعھ الاقتصادي والاجتماعي، حتى وجدنا أنفسنا محاصرین بعملیات عسكریة على حدودنا الشمالیة والشرقیة لعدة سنوات، منقطعین عن خطوط التجارة الممتدة بیننا وبین العراق وسوریا ومصر، فضلا عن الضفة الغربیة، وفي لحظات معینة كان الحصار الاقتصادي غیر المباشر خانقا مرتین، مرة بسبب انقطاع إمدادات النفط والغاز، ومرة بسبب وقوف الأردن وحیدا في مواجھة أزمتھ الاقتصادیة، وفي تحملھ أعباء اللجوء السوري، إلا من قلیل لا یسمن ولا یغني من .جوع ورغم ذلك كلھ فقد سقط رھان كل أولئك الذین راھنوا على عدم صمودنا في وجھ المخاطر والتحدیات والأزمات، وظنوا أن حریق الربیع العربي سیشعل الأردن مثلما أشعل غیره، غیر أنھم لم ینتبھوا إلى ثلاثیة القوة في النظام الأردني، القائمة على طبیعة وشرعیة النظام الھاشمي وتحالفھ مع الشعب الأردني المتمسك بوطنیتھ ووعیھ، .والمتحالف بدوره مع قواتھ المسلحة وأجھزتھ الأمنیة ما كان الأردن لیصمد لولا تلك الثلاثیة المباركة من الله العلي القدیر، فقد استطاع جلالة الملك أن یدیر مصالح الأردن الإقلیمیة والدولیة بعقلیة القائد الإستراتیجي، الذي تمكن من صیانة أمن الأردن واستقرار، والحفاظ على دوره ومكانتھ في التوازنات الإقلیمیة، رغم تداخلاتھا وتعقیداتھا وامتداداتھا الدولیة، وكذلك حققت قواتنا المسلحة وأجھزتنا الأمنیة .أقصى درجات الحذر والانتباه والصد لمحاولات اختراق حدودنا وأمننا الداخلي تلك ھي الحقائق التي لا یمكن إنكارھا، وھي الأساس الذي یتیح لنا الیوم التعامل مع مشاكلنا الناجمة في معظمھا عن تلك الأوضاع الاستثنائیة، ویمنحنا فرصة النقاش الذي لا یخلو بعضھ من رفاھیة تتناسى أحیانا تلك الحقائق، وتسقط من حسابھا الثمن الذي دفعناه في سبیل الحفاظ على بقائنا الدولة الأكثر استقرارا في المنطقة، حتى بلغ الجحود عند البعض درجة التقلیل من الإنجازات التي تحققت، ومن مجرد الإشارة إلى نعمة الأمن والأمان، وكأنھا من جنس حالة .!الطقس نعم ذلك لا یغني عن معالجة مشاكلنا الداخلیة، ولا یمكن الاعتماد علیھ عنصرا وحیدا لقوة واستقرار بلدنا، ولكن لیس من العدل أو الإنصاف ألا نوفي المیزان، ونبخس الأردن أشیاءه أثناء تعاملنا مع التحدیات التي تواجھنا، وھي تحدیات كبیرة وصعبة ومعقدة، لا یمكن تجاوزھا إن لم نلجأ إلى التفكیر والتخطیط والإدارة الإستراتیجیة لقطاعاتنا المختلفة، وإلى اعتماد معاییر الحوكمة القائمة على التشاركیة والشفافیة والمساءلة في إدارة مؤسساتنا العامة والخاصة، لأننا أحوج ما نكون في ھذه المرحلة إلى استخدام العقل والتخطیط السلیم، وإلا سنظل ندور في فلك الإشاعات والافتراءات .والأكاذیب، ما یحرمنا من نعمة التمتع بوطن یستحقنا ونستحقھ