لماذا يجب أن نخشى المساعدات!

في معظم الحالات التي يتسلم الأردن فيها مساعدات أو يحصل على قروض أو منح، يتم تصوير ذلك على أنه إنجاز يستحق الاحتفال به، فهل هو كذلك؟ وماذا يعني أن يبقى العجز في الميزانية عند مستوياته المرتفعة، ويتم قياسه بعد المساعدات وليس قبلها؟
لنأخذ العام 2011 كحالة تستحق التأمل. لقد توسع الإنفاق العام لدرجة تجاوز فيها العجز الحدود الآمنة، وبتنا بحاجة إلى نحو ملياري دولار. ومع المنحة السعودية الكريمة، تم تغطية جزء كبير من العجز، ويبدو أننا سنمر بسلام خلال العام 2011.
ولكن ماذا عن العام المقبل؟ سوف يبدأ التخطيط لموازنة العام 2012 بدءا من أرقام موازنة العام الحالي، بمعنى أننا سوف نأخذ حجم الإنفاق الكبير لهذا العام كنقطة انطلاق للتخطيط للعام الذي يليه، وهذا يشير الى أن هناك افتراضا ضمنيا بأن هناك مساعدات ستأتي مرة أخرى لسد العجز الجديد الذي يتوقع أن يتجاوز سقف الملياري دينار في الموازنات الجديدة. كذلك، باتت هناك حالة فراق بين نمو الناتج المحلي ومستوى الإنفاق الحكومي، وهو ما يشكل خللا في المعادلة الاقتصادية التي يسير عليها الأردن.
وهذا السيناريو ليس ضربا من الخيال، بل هو قراءة واقعية لكيف تجري الأمور ويسير التخطيط المالي في الأردن. فالكل سيتوقع زيادة على حجم الإنفاق الجاري المتحقق لهذا العام، وهو ما يعني المزيد من الاستهلاك والاستيراد والمزيد من الضغوطات الاقتصادية على دافعي الضرائب، فهل يمكن الاستمرار بهذه الدورة الجهنمية التي لا نعرف إلى أين ستودي بنا؟ قراءة لما يجري في العالم، ولا سيما في بعض الدول الأوروبية، فإن "فخ المديونية" الذي تعاني منه اليونان مثلا، ليس وليد سياسات سنة واحدة، بل يعكس تراكم سياسات امتدت على مدى سنوات، وتكتشف الدول الصديقة لليونان صعوبة إنقاذها من الوضع الذي آلت إليه الأمور.
وبعد أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، فإن الخيارات تصبح صعبة، إذ لا بد من التسليم بجزء من السيادة الوطنية للدائنين، أو اللجوء لحلول ليس أقلها الاعتماد على التضخم لتخفيف عبء المديونية على الدول، وهي خيارات لها تبعات سياسية واجتماعية خطيرة.
الحل يبدأ باتخاذ بعض القرارات الصعبة قبل استفحال الأمور. فالمساعدات يجب أن لا تخصص لتمويل النفقات الجارية أو المتكررة، بل يجب أن تصب في خانة تعزيز الإنتاج وتنويع الاقتصاد والصادرات، بدلا من أن تعمق العجوزات وتعزز نمطا استهلاكيا نعرف أننا لن نكون قادرين على الاستمرار به. بغير ذلك ستأتي اللحظة التي لن يتمكن الأصدقاء فيها من التدخل لإنقاذنا، وإذا تدخلوا فسيكون لذلك ثمن باهظ.
التحرك عندما يكون هناك هامش للمناورة تكون كلفه معقولة، والانتظار إلى حين اللحظات الحرجة سيقود إلى سيناريوهات شبيهة بالعام 1989-1990، مع الفارق الكبير في الديناميكية السياسية التي تسود المنطقة والأردن، وأمامنا فرصة للبدء في نمط جديد من التخطيط المالي.