غادر جلالة الملك عبدالله الثاني يوم السبت الماضي إلى تركيا في زيارة مهمة جدا، فالمفاوضات التجارية بين البلدين، والتي انتهت قبل أكثر من شهر بإنهاء اتفاقية التجارة الحرة بينهما لم تترك أثراً إيجابياً على العلاقات السياسية بينهما، علما أن قائدي البلدين جلالة الملك عبدالله الثاني وفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان أبديا حرصاً على أن تكون العلاقات بين البلدين دافئة ومستمرة.
وأسمع في الأردن كثيراً من التحليلات عن تطورات سياسية يكون الأردن طرفاً فيها. ومعضلة هذه التحليلات أنها تؤخذ لوحدها دون ربطها بالحوادث الأخرى. فاجتماع وزراء الخارجية الستة والذي عُقِد في البحر الميت خلال الأسبوع الماضي قد حلل على أنه اعداد لحرب ضد إيران، أو في محاولة لاتخاذ قرار موحد حول سورية، أو للتفاهم حول موقف عربي موحّد حيال مشروع السلام الفلسطيني الإسرائيلي المطروح. وقد تكون هذه الموضوعات وغيرها قد بُحِثت، ولكن من الصعب أن نفهمها والأردن يفتح أبوابه للأطراف اليمنية المتخاصمة لكي تجتمع في عمان، ومن بعدها يسافر جلالة الملك إلى انقره للقاء الرئيس أردوغان، ويفتتح رئيس الوزراء مع نظيره العراقي معبر طريبيل (الكرامة) وسط الأفراح والزغاريد.
حتى نفهم كل هذه الأمور المتناقضة حسب فرضياتنا، فلا بد أن نسأل وكيف يمكن للأردن أن يوفق بين هذه التناقضات؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بد أن نعطي لسياسة جلالة الملك الخارجية الثقة في مقدرته على إدارتها، وهو أن موقف الأردن الصعب يتحسن إذا استطاع الأردن أن يوفق بين الأطراف المتناقضة، ويسعى من أجل حلحلة العقد السياسية والجلطات العاطفية في العلاقات العربية العربية، وأن يستثمر الأردن الثقة التي يتمتع بها دولياً من أنه واحة أمن في منطقة تمزقها الصراعات الدموية والسياسية.
لا تستطيع الدول العربية مهما بلغت قوتها أو ثروتها في الوقت الحاضر أن تتعايش مع استمرار الظروف الحالية في كل منها لأمد طويل. ولن يتمكن العالم من منحنا كأنظمة عربية الاهتمام والمتابعة طالما أننا نرهق محطاته الإخبارية بأخبارنا السيئة إذ سرعان ما سيوجه اهتمامه إلى مناطق أخرى في العالم.
ومما لا شك فيه أن بعض الأمور مرشحة، وليست أكيدة، للتغيير، فالطرفان الأساسيان في معادلة صفقة القرن، أي ترامب ونتنياهو، واقعان تحت ضغوط كثيرة، وقد يصبحان خارج نطاق السياسة كلية، إذا ربما يمنع الأول من الترشح لفترة رئاسية ثانية، ويخسر الثاني انتخابات الكنيست في شهر نيسان (ابريل) المقبل.
وكذلك، ربما تغير المملكة العربية السعودية من سياستها الخارجية إزاء اليمن، وقطر، وتكذب كل الإشاعات التي تربطها بإسرائيل. المنطقة قد تسير إلى سيناريو سيئ يسعى لفرض صفقة القرن، أو أن المعادلات تتغير نحو الأفضل بما يعطل هذه الصفقة وتبعاتها على الأردن وفلسطين.
ونحن وسورية والعراق على موعد لتحسين العلاقات الثنائية والثلاثية معاً ولبنان بعد تشكيل الحكومة فيها بحاجة إلى إعادة تنظيم جبهتها الداخلية، وإعادة النمو والإعمار في اقتصادها ومواجهة مشكلة المديونية فيها. ودول الخليج لها مصلحة كبرى في المشاركة بفعالية في إعمار سورية والعراق، وإيقاف حرب اليمن وتأمين المنافذ من باب المندب إلى البحر الأحمر إلى مضيق هرمز ومن ثم إلى مضائق تيران وقناة السويس . والبحر الأحمر مهم جداً حتى لا يفقد العرب فيه مواقعهم وأهميتهم.
إذا بدأ العرب في إدراك ذلك، يصبح الموقف الأردني الراغب في تعزيز علاقاته مع كل من تركيا وإيران مفهوماً، ويصبح الأردن قادراً على لعب دور إيجابي في تقريب علاقات كلا البلدين مع الدول العربية وأن نكون متفاهمين معهما خير لنا في تذكير إسرائيل أنها ليست وحدها في الميدان، وأن الفلسطينيين بحاجة إلى دولة وكيان. فما الذي ستفعله إسرائيل حينئذ؟.
الأردن بقيادة جلالته يسير على طريق سياسي صحيح الآن تركيا، وغدا تليين مع إيران لا يغضب أميركا أو السعودية.