إجراءات صارمه !
إجراءات صارمه !
حين اقرأ او أسمع ان الحكومة ستتخذ " إجراءات صارمه " بحق من يتجاوز او يخالف قرار ما ، فأنني اكاد ان اضحك بل واهزأ بنفس الوقت من تلك العبارة التي تقال ولا تحدث ! فكثيرا ما ردد رئيس الوزراء والوزراء تلك العبارة التي لم تترجم الى واقع حقيقي ، فمنذ ان غابت وزارة التموين التي نجح تيار الخصخصة بالغائها تحت ضغط التجار لاتاحة المجال لإحتكار السلع والتحكم بالسعر دون رقابة او تشديد ـ فقد اعاد رئيس الحكومة ليؤكد هذا الشهر على " اجراءات صارمه " للحد من إنفلات الأسعار خلال رمضان ، فكان ان ارتفعت اسعار اللحوم واستغل اصحاب مزارع الدواجن ضعف او غياب الاإجراءات فقرروا رفع الأسعار ، ولم نسمع باي إجراء صارم اتخذ بحق تاجر واحد ، وتناقلت الصحف تصريحات تتحدث عن الغاء الإعفاءات المقدمه للتاجر ، ثم وبعد اقل من ساعه ينفي وزير اخر فكرة إلغاء الإعفاءات المقدمه للتاجر ، اي بمعنى ان لا حيلة للحكومة في مواجهته ، كذلك سمعنا ان هناك "اجراءات صارمه " ستتخذ بحق شركات التأمين التي لا تلتزم بالتأمين الاجباري للمواطنين ، وسيتم محاسبتها وفقا للقانون مؤكدا معاليه اكثر من مره على أن "الحكومة لن تتهاون في اتخاذ أشد الإجراءات بحق الشركات المخالفة والتي تحاول استغلال حاجة المواطنين ،ولم نسمع بأي اجراء قانوني قد اتخذ لحل المشكله ، وكان وزير الداخلية و مديرالامن العام قد قرروا في أوقات سابقة من هذا العام إتخاذ " اجراءات صارمه " بحق من يمس المسيرات السلمية او الحراك الشعبي ويتعرض لها ، فتعرضت تلك المسيرات لإعتداءات البلطجة ولم نرى خطوة اتخذت حتى للحد منها او ملاحقة من ارتكب الجرم ، حتى تحولت البلطجة الى مؤسسة أمنية لها برامج .
حينما كنا نسمع في دول عربية مجاورة ان الحكومة قررت إتخاذ إجراءات صارمه او مشددة بحق المخالفين للقانون والتعليمات ، كنت تشعر أن تلك القرارات تفعل فعلها ويحسب لها ألف حساب ، فتشكل راحة للمواطن الذي وجد في تلك التهديدات الحكومية حماية له ولمصالحه ، ويتوقف عندها كل مشاكس او فاسد كان يرغب بالتلاعب او مخالفة القانون ، واما في بلادنا فالكل يعرف سواء أكانوا تجار او شركات ان مثل تلك التصريحات التي يقال أنها " إجراءات صارمه " يراد منها إسكات الناس والضحك على لحاهم ، لأن الحكومة بكافة اعضائها سقطت في اختبارات مواجهة تاجر واحد والحد من ارتفاع اسعار اللحوم رغم ما قدمت له من إعفاءات وتسهيلات بات الناس يعرفون أسبابها !! وكذلك في الحد من تلاعبات شركات التأمين التي تطالب برفع رسوم التأمين من خلال تعويمه ، لأن من يملكون تلك الشركات هم مواطنون من الدرجه الخاصة جدا واعضاء في تلك التحالفات الطبقية المقيته التي تضطهد الشعب وتسرق ماله بحيث لا يجروء أحد الإقتراب منهم وتهديد مصالحهم . فسقطت من قاموس المواطن عبارة " إجراءات صارمه " وباتت بالنسبة للمواطن والتاجر حبرا على ورق .
لماذا أسقطت الحكومات هيبتها ! وبالتالي أسقطت معها هيبة النظام ، ولماذا تصر الحكومات على مواجهة طبقة التجار والشركات الخاصة وتخرج من المعركة بكفّي حنين لا حول لها ولا قوة امام جبروت وقوة تلك الشركات والافراد ! وكان لها ان تتوقف عن التهديدات الإعلامية وتحافظ على ماء وجهها بعد سلسلة مواجهات صوريه حسمت لصالح ملة الكفر والفساد .
بات لنا حلم يراود كل مواطن اردني عانى ما عاناه في هذه الدولة وفي ضل هذه الحكومات ، وهو ان يعيش في ضل نظام ودولة لها هيبتها وسطوتها ، إذ لا معنى ولا طائل ولا مبرر لوجود " هيبة الدولة " اذا كانت تلك الأركان تتأسس على التحالفات الطبقية والتهميش والانتقائية ، وتولد في الاردن منظومة جديده عرفت بمنظومة " الأمتيازات " التي تقدم لبعض الفئات المحددة الضالعة بالتحالفات مع اركان النظام ، دفعت المواطن الى العداوة والكراهية للدولة ، فالتحالف بين اركان الحكم وبعض الفاسدين وثلة من العائلات في مشاريع تجارية اضرت بمصلحة الدولة ومصلحة المواطن ، وهو تحالف مقيت أضر بسمعة النظام نفسه فتعرض النظام للنقد وحتى التجريح ، ولم يعد المواطن يخفي قلقه على حياته ومستقبل ابنائه وحتى وطنه في ضوء تلك التحالفات والإمتيازات النوعية للبعض دون غيرهم ، حتى وصل ضعف النظام الى ان تعد أموال الدولة " غنائم " يحق للبعض استباحتها حين يكون قادرا ، فأنتشرت ظاهرة استباحة أموال الدوله حتى من صغار الموظفين رداً " على استباحة الدولة له حين تمكنت من إستباحته وتركته لقمى سهله في أفواه الطامعين والجشعين ، فظهرت ثقافات الفساد والرشي والسمسرة و الخاوات والبلطجة دون رادع ، وتطورت معها تلك الادوات الى سرقة حقوق الوطن حتى في مقاعد برلمانية او بلدية اخذت بقوة المال والبلطجة والخاوة من قبل مواطنين كانوا الافضل والاكثر قدرة على التمثيل .
إن قصة المواطن مع ضعف هيبة الدوله لم تكن وليدة اليوم ولا الأمس ، فقد شهدت البلاد ضعفا واسعا ليس على المستوى الاقتصادي والاجتماعي اضر بسمعتها وجعلها عرضة لتطاولات واجندات خارجية وداخلية ينفذها البعض من اعداء الوطن ضد ابنائه والتي تتمثل في إضعاف البلاد وبيع مقدراتها ونهب ثرواتها واقتصار حكمها على بعض التحالفات المعادية علنا للمواطن ، وهي تكنيكات وروافع خبيثه يراد منها تأسيس وطن بديل على حساب الاردن , بدأت ملامحها واضحة من خلال مطالبات وضغوطات من أجل تعديلات دستورية قد تساهم بتجنيس ابناء الاردنيات والإخلال بالمعادلة الديوغرافية للاردن تمهيدا لتشكيل حكومات وبرلمانات تسيطر عليها الاكثرية النسبية .
فهل نتنبه البلاد والنظام لمثل تلك المعادله ، ونعيد للدولة والنظام ككل هيبته بحيث لا يتمادى عليه ويدير شؤونه ثلة من الفاسدين او جمعيات مأجورة ذات أجندة خارجية تخدم اليهود وطموحاتهم !!