الانتفاضات التي شهدها العالم العربي العام 2011 وما تلاها من تطورات وانهيارات وصراعات داخلية، شكلت ضربة قاصمة للعمل العربي المشترك. هذا لا يعني أن العمل العربي المشترك قبل ذلك كان في أحسن حالاته، لكنه كان يوفر الحد الأدنى للتعامل مع التحديات العامة التي تواجه المنطقة. القمم العربية التي حصلت بعد هذا التاريخ لم تسهم في رأب الصدع الذي حصل بين العديد من الدول، بل أكدت عمق الخلافات والانقسامات العربية.
الحقيقة المرة التي نجمت عن هذه الانقسامات والصراعات، وتفرد بعض الدول بالقرارات، كان حدوث فراغ للدور العربي في مجريات الأحداث في المنطقة .
لقد أفسح المجال ذلك واسعاً للقوى الإقليمية المختلفة لمتابعة تنفيذ أجنداتها في التأثير على المنطقة ومتابعتها لمصالحها الإقليمية والتوسعية أحياناً، وكل ذلك كان على حساب الدور العربي والمصالح العربية.
أثبتت التجربة أيضاً عدم قدرة أية دولة عربية وحدها أن تدافع أو تحمي مصالحها أو المصالح العربية من التدخلات الإقليمية.
من هنا تكتسب خطوة البحر الميت لوزراء الخارجية العرب أهميتها، وتكتسب أهميتها أيضاً من انعقادها بالأردن، لأنه كان دوما مدركا لأهمية العمل العربي المشترك، ولم يتدخل بالنزاعات العربية ولم يكن راغبا في ذلك، وحاول النأي بالنفس عن الوقوف مع دولة عربية أو طرف عربي ضد آخر.
كذلك، تكتسب الخلوة أهميتها من الدول المشاركة بها ؛ وهي: السعودية ومصر والإمارات والبحرين، التي كانت في العقود الماضية قريبة جداً من بعضها بعضا، وكانت الأساس لما سُمي في حينه دول الاعتدال العربي. وبالرغم من كل التحولات التي حصلت في السنوات الماضية، ما تزال هي الأقرب لبعضها بعضا، وهي تواجه أيضا تحديات مشتركة تستوجب منها العمل الجماعي المشترك أيضاً.
لا نريد أن نرفع التوقعات من اجتماع اليوم، ولكن الجميع تواق ليكون هذا الاجتماع بداية لتجديد العمل العربي المشترك، والخروج بتفاهمات حول أولويات التحديات التي تواجه المنطقة، وهذا لا يعني أن تكون الآراء مطابقة لبعضها، ولكن أن يتم التمييز بين المصالح الاستراتيجية الجماعية والمصالح الفردية، ولا وجود اختلافات، ولكن في إطار المصلحة المشتركة لهذه الدول، والدول العربية بشكل عام.
من المهم توحيد المواقف فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وسورية والأزمة في اليمن، والتطرف والإرهاب، وتدخل الدول الإقليمية في الدول العربية، ووضع الآليات أو التصورات لمعالجتها.ولكنه قد لا يقل أهمية أيضا وضع الأسس للعمل المشترك، التي من أهمها عدم التدخل بالشؤون الداخلية، التي كانت من أهم صفات المرحلة الماضية. كذلك، فلا بد من الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية الداخلية للدول المشاركة، واعتماد مبدأ العمل على التمكين الاقتصادي لهذه الدول، حتى تخفف من هذه التوترات الداخلية في بعض هذه الدول، والنظر لذلك بوصفه مصلحة مشتركة من منظور المساعدات والمنح.
خلوة البحر الميت اليوم خطوة مهمة، نأمل أن تكون بداية لبلورة خطة عمل مشتركة بين هذه الدول لمجابهة التحديات التي تواجه المنطقة العربية، وأن تشكل بداية جديدة، وضمن معايير أو مبادئ جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لعل وعسى