مكانة ولي الامر في الاسلام

الدين الحق هو الذي يتضمن الهداية إلى شرع الله ،وبتلازم تحقيق الأمن والطمأنينة- في زمن عز فيه الأمن ، ولم تتوقف فيه الحروب - ولا يتحقق ذلك الأمن إلا باتباع ما يتلى علينا من كتاب الله العزيز؛ الذي أمر بالاعتصام به.

ولا يوجد مؤشر للعزة والتمكين إلا بالتمسك بحبله المتين؛ من اتّبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على الضلالة؛ هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، فعن زيد بن أرقم - رضي اللَّه عنه - « أن رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم خطب فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثم قال :
(أما بعد: ألا أيها النّاس فإنما أنا بشر، يوشك أن يأْتيني رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلينْ، أوّلهما كتاب اللَّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللَّه وتمسكوا به، ثم قال : (وأهل بيتي)(1) " وفي لفظٍ : " كتاب اللَّه هو حبل اللَّه المتين ؛ من اتّبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على الضلالة ).

ولا يلتفت في ذلك إلى مرجف أو مخذل فإن الله تعالى يقول : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }.

ونظراً لأهمية حقوق ولاة الأمور على الرعية، وعظيم ما لهم من حقوق، اهتم أهل السنة والجماعة بإيضاحها وبيانها، فمن مظاهر هذا الاهتمام أنك تجد ذلك كله في كتب العقيدة، التي بينت وأفصحت عن مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الأمر.

فهذه جملة مِنْ المسائل المتعلقة بالبيعة، وحقوق ولي الأمر، وَمَا يجب لَهُ عَلَى رعيته عَلَى سبيل الإجمال والاختصار.

وقد تظاهر على ذلك أدلة من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم. ومقتضى ما دل عليه الكتاب والسنة من وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور
فمن القرآن الكريم:
قول الله تعالى: "يا أبها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، فالخطاب والنداء للمؤمنين، وقيد لفظ ولي الأمر بقوله: منكم، مما يشير بدلالة أن ولي أمر المسلمين الذي تجب طاعته منا معاشر المؤمنين. وبهذا يتبين ان من مقتضى علو الإسلام ألا تكون ولاية الأمر إلا سلطان حقيقي وليست وظيفة شكلية!، له جميع الصلاحيات دون حد من سلطاته كراعي لهذه الامة، وهذا جلي وواضح في سياق الآية الكريمة في عنصرين: تلازم الأمر في طاعة الرسول وطاعة ولي الامر!؛ مما يومئ -بلا شك- لقوة هذا السلطان في اتخاذ واطلاق جميع القرارات التي تخدم الأمة؛ اضافة الى عنصر اطلاق لفظ أطيعوا دون تقييده بقرينة قد تصرفه عن سياقه.

لأن الألفاظ المجملة يدخل تحتها عناصر كثيرة متفق عليها وفق المعايير الشرعية.
وقد بينت السنة مثل ما بين القرآن ققال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية(2)

ومن أقوال اهل العلم :

1. قال الامام احمد -رحمه الله-: ليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه ولا تعن على فتنة بيد ولا لسان، بل كُفْ يدك ولسانك وهواك، والله عزَّ وجلَّ المعين(3)

( إن الخليفة المأمون قَتل مِن العلماء الذين لم يوافقوا مقولته في خَلْق القرآن، اضافة أنه أجبر الناسَ على أن يقولوا بهذا القول الباطل بل يترقى الى انه كفر عند اهل السنة والجماعة!!، ومع ذلك كله لم نسمع عن الإمام أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة أن أحدًا منهم اعتصم أو خرج بكلمة، ولم يرد في التاريخ انهم رحمهم الله كانوا ينشرون معايبه أو أية مسائل تتخذ موطناً للخلاف من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء والكراهية.)

2. قال النووي -رحمه الله-: قوله صلى الله عليه وسلم: (( الإِمَامُ جُنَّةٌ )): أي: كالسِّتر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعضٍ، ويحمي بيضة الإسلام، ويتَّقيه الناس، ويخافون سطوته".(4)

3. قال السيوطي في حاشية شرح الترمذي: قال القرطبي: أي يقتدى برأيه ونظره في الأمور العظام والوقائع الخطرة ولا يتقدم على رأيه ولا ينفرد دونه بأمر مهم.(5)

ومهما يكن في المجتمع من مفاسد، فهذا لا يعطي ولا يمنح الرعية امراً ان ينزعوا يداً من الطاعة سواء فعلاً او قولاً هو ثابت في الدين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّهُ ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان))(6)

وعند وقوع هذا الامر ينبغي للمسلم أن يفعل ما أمرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما سألوه -الصحابة رضوان الله عليهم جميعا-: فما تأمرنا يا رسول الله قال: «أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم».

ووجه الدلالة من الحديث: ان يلزم الْمُؤمِن إِذَا بايع ولي أمره، أَو لزمته البيعة أنَّ يَسْمَع ويطيع ولي الأمر بِالْمَعْرُوفِ، فعندئذ لزمته النصيحة لولي الأمر، وفي ذات الوقت لزمته نصرة ولي الأمر .

فمن الفقهاء من يُجوّز القتال على ترك طاعة ولي الأمر ويُجوّز قتال هؤلاء، وهو قول طائفة من الفقهاء ويحكى هذا عن الشافعي رحمه الله.

وهذا يقتضي منا جميعا ان نكن احتراما خاصا لولي الامر، وأن نكرمَه: فمكانة ولي الامر لا ينبغي أن تهز بشكل من الاشكال؛ فوجوب إكرام الْمَلِكِ والسلطان وتَحْريْمُ إهانته إحدى مقتضيات علو أمة الاسلام:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من أكرم سلطان الله أكرمه الله ، ومن أهان سلطان الله أهانه الله)) وهو حَديْث حَسَنٌ .

وعن أنس بن مالك قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب)).

وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه- : "إياكم ولعن الولاة ، فإنَّ لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة"

قيل: يا أبا الدرداء ، فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟ قال: "اصبروا ، فإن الله إذا رأى ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت" رواه ابن أبي عاصم في السنة وسنده صحيح .
لأن اهل السنة والجماعة يرون أن مخالفة ولي الأمر كبيرة وليست بفضيلة، وعدم الانقياد له مخالفة عظيمة، وأننا نجعله دينا ندين الله به.

ومن ثوابت الاسلام في النصيحة لولي الامر :

نصيحة السلطان يجب ان تكون سراً لا جهراً: فعن عياض بن غنم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده ، فإن سمع منه فذاك ، وإلا كان أدى الذي عليه)) رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة والطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم وهو حديث صحيح.

لأن الأصل أن ولي الأمر في الإسلام هو الذي تناط به رعاية مصالح الرعية العامة، كقاعدة شرعية، وهو في نفس الوقت من يرعى بموجب المكانة مصلحة الجماعة المتمثلة في إقامة الدين والمحافظة على بقاء الأمة متماسكة.

وخلاصة القول:

أن قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية تُعطي لولي الأمر مساحة واسعة في الحكم لا ينازعه فيها احد كون طاعته في السلسة التي امرنا الله بها هي نفس جنس طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر ، وإمام الصلاة ، والحاكم ، وأمير الحرب ، وعامل الصدقة - يطاع في مواضع الاجتهاد ، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد ، بل عليهم طاعته في ذلك ، وترك رأيهم لرأيه ، فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ، ومفسدة الفرقة والاختلاف

أسأل الله أنَّ يحفظ بلاد الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ كيد الأعداء، وان يحفظ علينا سيدي صاحب الجلالة الهاشمية وأن يحفظ علينا الأمن والأمان والإيمان .

والله أعلم.

وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد










(1) مسلم (4 / 1873) (رقم : 2408)

(2) أخرج البخاري كتاب الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورا تنكرونها" 13/5 ح7054 ومسلم كتاب الإمارة باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن 3/1478 ح1849 كلاهما من طريق أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس

(3) كتاب السنة للإمام أحمد ص46 ضمن شذرات الذهب

(4) شرح النووي على مسلم

(5) الديباج على مسلم السيوطي 4/454

(6) رواه مسلم في صحيحه(3/1479 ، 1480) من حديث عرفجة الأشجعي -رضي الله عنه-.