عندما يُفكر الثلث فقط (21 بالمائة)، من المستطلعة آراؤهم باللجوء إلى تنفيذ احتجاج أو تنظيم مظاهرة، احتجاجًا على سياسة معينة من سياسات حكومة عمر الرزاز في المستقبل القريب، فهذا يعني بأن حكومة "النهضة” بكل أعضائها، تدخل مرحلة من الأمان، ما قد يبقيها هادئة الأعصاب ولأشهر طويلة.
نعم، من حق الحكومة أن تكون في هذه الأيام وتلك المقبلة "مرتاحة”.. كيف لا؟، و78 بالمائة من المستجيبين للدراسة يؤكدون بأنهم لا يفكرون، مجرد تفكير، بالقيام بأي احتجاج أو تنظيم تظاهرة أو تنفيذ اعتصام احتجاجا على سياسة معينة في قابل الأيام.. وهذا ما أكدته نتائج استطلاع للرأي أعلن عنها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، يوم 23 من الشهر الحالي، حول حكومة الجباية الحالية بعد مرور 200 يوم على تشكيلها وقضايا راهنة.
رغم أن التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، التي تحدث في أي دولة من دول العالم، نتيجة الاعتراض على قرار ما أو تشريع معين أو خطط يرونها فاشلة، تُعتبر نوعًا من ممارسة الديمقراطية وتُعد شكلًا من أشكال التعبير عن الآراء والمطالب.. إلا أن الأردنيين يبدو أنهم بدأوا يفقدون الأمل في أي شيء، إن لم يكن فقدوه منذ فترة، وقد يصل الأمر إلى حد قتل المعنويات لديهم وروح المبادرة.
وإلا، فما معنى أن يكون هناك تقريبًا نسبة الثلث (33 بالمائة) لم يقوموا على الإطلاق بمتابعة ما جرى من احتجاجات سلمية، تحدث مساء كل خميس من كل أسبوع في منطقة الدوار الرابع، حيث مقر رئاسة الوزراء. صحيح أن الخمس من مستجيبي العينة (21 بالمائة) قاموا بمتابعات تلك الاعتصامات بشكل منتظم، و46 بالامئة تابعوها بشكل غير منتظم، بينما 68 بالمائة من متابعي تلك الاحتجاجات، سواء كانت بشكل منتظم أو غير منتظم، تابعوها من خلال التلفزيون، و64 بالمائة تابعوها من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك”.
ما يشير إلى وجود بوادر خير لحكومة الرزاز، قد ينشلها مما هي فيه، أن أكثر من النصف بقليل (51 بالمائة) يؤيدون الاحتجاجات ومطالب المحتجين، مقارنة بـ68 بالمائة في الاستطلاع السابق الذي جرى في شهر تموز الماضي، أي بعد مرور مائة يوم على تشكيل الحكومة، بمعنى انخفاض في نسبة المؤيدين لذلك 17 نقطة، والتي هي تُعتبر بمقياس الاستطلاعات شيء إيجابي لصالح الحكومة.
وما يشير أيضًا إلى "بوادر الخير”، أن 17 بالمائة لا يؤيدون مطلقًا الاحتجاجات ولا مطالب المحتجين، مقابل 8 بالمائة في استطلاع تموز الماضي، الأمر الذي يعني ارتفاع نسبة هذه الفئة بمقدار 9 نقاط، وهي نقاط تُعتبر أيضًا إيجابية لصالح الفريق الوزاري، الذي بدأ يلتقط بعض أنفاسه.
لكن ما يدعو إلى التساؤل والاستهجان، بعد هذه العجالة من الأرقام والنسب وانخفاض نسبة من يؤيدون القيام باعتصامات أو تنفيذ وقفات احتجاجية أو تأييد الاحتجاجات ومطالب المحتجين، أن 94 بالمائة من مستجيبي العينة الوطنية و95 بالمائة من مستجيبي عينة قادة الرأي يعتقدون بأن الفساد المالي والإداري "منتشر جدًا، ومنتشر إلى حد ما، في الأردن”.
هذا الأمر يدعو إلى الحيرة والقلق، ما يتطلب من خبراء علم الاجتماع والمعنيين، الوقوف عليها مليًا لمعرفة ما يحدث وكيف حدث ذلك، فعندما تكون نسبة من يعتقدون بانتشار الفساد كبيرة جدًا، وبالمقابل انخفاض عدد من يتابع الاعتصامات أو يؤيد الاحتجاجات ومطالب القائمين عليها، فهذا يدل على وجود شيء قد يكون إطلاق مصطلح "اللامبالاة” عليه قليلا، وبالأخص عندما يفيد نحو ثلث مستجيبي العينة الوطنية وأقل من الثلث بقليل من مستجيبي عينة قادة الرأي بأن "الحكومة غير جادة على الإطلاق في محاربة الفساد المالي والإداري”.