رغبة دولية عارمة بالاعتراف بطالبان في أفغانستان

ثمة رغبة دولیة عارمة بالاعتراف بحركة طالبان في أفغانستان عقب مرور أكثر من 17 عاما من تشكیل تحالف دولي للقضاء علیھا وتصنیفھا كمنظمة «إرھابیة»، وذلك بعد أن برھنت الحركة على أنھا قوة قتالیة ھائلة في أفغانستان، وأن التوصل إلى سلام لا یمكن أن یتحقق مستقبلا في أفغانستان دون أن تتفاوض حكومة كابول مع طالبان، وباتت الدول الكبرى تتسابق لخطب ود حركة طالبان في سیاق تجنب الآثار الكارثیة في حال عودة طالبان إلى حكم أفغانستان، وفي سیاق اللعبة الاستراتیجیة الكبرى، فقد دخلت الولایات المتحدة في مفاوضات مباشرة مع الحركة، بعد أن استضافت روسیا وفدا من الحركة لبحث عملیة السلام، واعترفت الصین بشرعیة الحركة، فضلا .عن سعي الھند وإیران وغیرھما لنسج علاقات ودیة مع طالبان ظھرت حركة طالبان في أوائل التسعینیات من القرن الماضي، شمالي باكستان، عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفیتي السابق من أفغانستان، وسرعان ما فرضت سیطرتھا عام 1996 ،وفي السابع من أكتوبر 2001 ،غزت قوات التحالف بقیادة الولایات المتحدة أفغانستان، بعد اتھام الحركة بتوفیر ملاذ آمن لتنظیم القاعدة، وبحلول الأسبوع الأول من شھر دیسمبر انھار نظام طالبان، وعلى الرغم من وجود أكبر عدد على الإطلاق من القوات الأجنبیة في تاریخ البلد، استطاعت طالبان توسیع نطاق نفوذھا على نحو مطرد مما جعل .مساحات شاسعة من أفغانستان غیر آمنة وعاد العنف في البلاد إلى مستویات لم تشھدھا منذ عام 2001 لم تتمخض الاستراتیجیات الأمیركیة المختلفة في أفعانستان عن كسر شوكة طالبان، وفشلت ومحاولة دفعھا للقبول بتسویة ھزیلة مع ذروة وجود القوات الأمریكیة وحلفائھا، فقد بلغ عدد القوات الأمیركیة ذروتھ عام 2011 ،حیث وصل إلى مئة ألف جندي أمیركي دون تحقیق تقدم یذكر، ورعم أن نفقات وزارة الدفاع الأمیركیة المنظورة لوحدھا بلغت في أفغانستان 840 ملیار دولار حسب «مركز الدراسات الدولیة والاستراتیجیة»، وتقدر الكلف المنظورة وغیر المنظورة بقرابة 3 تریلونات دولار، وقد تسببت الحرب في أفغانستان بخسائر بشریة كبیرة، كان نصیب قوات الولایات المتحدة الأكبر مع سقوط 2403 جنود قتلى و20 ألف جریح منذ 2001 ،وھو رقم یتجاوز مرتین حجم .خسائر دول التحالف ھناك في ھذا السیاق نشطت الولایات المتحدة مؤخرا بفتح قنوات تفاوض مع طالبان، حیث أعلن متحدّث باسم طالبان أن ممثلین عن الحركة التقوا مسؤولین أمیركیین في قطر التي تستضیف مكتباً سیاسیاً لطالبان، وذلك من أجل البدء بجولة جدیدة من مفاوضات طالبان مع أمیركا الھادفة إلى وضع حدّ ّ للحرب الأفغانیة. وأكد المتحدّث باسم الحركة ذبیح الله مجاھد في 21 ٍ ینایر الماضي في رسالة عبر تطبیق واتساب أنھ «بعد موافقة الأمیركیین على جدول أعمال تحضیري لإنھاء غزو أفغانستان والحؤول دون أن تستخدم أفغانستان ضدّ ٍ بلد آخر في المستقبل، جرت محادثات مع ممثلین أمیركیین في العاصمة القطریة الدوحة»، وكانتقد جرت مفاوضات بین طالبان وأمریكا اعترف بھا الطرفان في أبو ظبي أواخر عام 2018 ، ٍ وجاء إعلان طالبان في وقت أنھى فیھ المبعوث الأمیركي للسلام في أفغانستان زلماي خلیل زاد، جولةً إقلیمیة في باكستان، زار خلالھا الھند والصین وأفغانستان بھدف العمل على وضع حدّ للحرب المستمرة منذ 17 عاماً،وترفض طالبان التفاوض ّ مع الحكومة الأفغانیة وتعتبرھا مجرد «دمیة» بید واشنطن، وجائت جولة خلیل زاد الإقلیمیة بعد إعلان الرئیس الأمریكي دونالد ترمب في .دیسمبر الماضي عزمھ سحب نصف القوات الأمیركیة والبالغ عدیدھا 14 ألفاً المنتشرة في أفغانستان أسفرت مباحثات السلام في الدوحة بین واشنطن وطالبان حسب مصادر عدیدة عن مسودة اتفاق یقضي بانسحاب القوات الأمریكیة من أفغانستان، قالت مصادر في حركة طالبان إن مفاوضي الحركة ومسؤولین أمریكیین وضعوا اللمسات الأخیرة خلال اجتماعاتھم في قطر السبت الماضي على بنود لإضافتھا إلى مسودة اتفاق ینھي الحرب الأفغانیة التي اندلعت قبل 17 عاما، وتتضمن التفاصیل التي قدمتھا المصادر لوكالة «رویترز» تنازلات من الجانبین فیما یبدو إذ تقضي بانسحاب القوات الأجنبیة من أفغانستان في غضون 18 شھرا من تاریخ توقیع الاتفاق والذي یضع حدا لأطول حرب خاضتھا الولایات المتحدة، وذكرت المصادر أن الحركة عرضت ضمانات على ألا یستغل تنظیما الدولة الإسلامیة والقاعدة أفغانستان في شن ھجمات على الولایات المتحدة وحلفائھا وقد كان مطلبا رئسیا لواشنطن أثناء المباحثات، وتقول طالبان إنھا ستضع اللمسات الأخیرة على جدول زمني لوقف إطلاق النار في أفغانستان لكنھا ستبدأ محادثات مع ممثلین للحكومة الأفغانیة بمجرد تنفیذ وقف إطلاق النار، وتضمن الاتفاق بنودا أخرى تشمل تبادل السجناء وإطلاق سراحھم ورفع حظر دولي على السفر فرضتھ الولایات المتحدة على عدد من قادة طالبان وآفاق تشكیل حكومة أفغانیة انتقالیة بعد وقف إطلاق النار، لكن المتحدث باسم حركة طالبان «ذبیح الله مجاھد»، نفى التقاریر التي تفید بأن إطارا زمنیا مدتھ 18 شھرا حدد لانسحاب كامل القوات الأمریكیة من .أفغانستان لا جدال أن المفاوضات بین أمریكا وطالبان جائت بعد تنامي قوة الحركة ونفوذھا، وبروز حركة أشد عنفا ممثلة بتنظیم الدولة الإسلامیة الذي تشكل من منشقین عن طالبان وحركات أخرى، ودخول قوى دولیة وإقلیمیة على خط التفاوض مع طالبان، فقد تسارعت الخطوات ٍ الروسیة بالاعتراف بالحركة واستضافتھا وطرح وساطات سلام مع الحكومة الأفغانیة، كان آخرھا بحضور وفد من المكتب السیاسي لحركة طالبان إلى موسكو في 9 نوفمبر الماضي، وفي 15 فبرایر 2017 ً استضافت موسكو لقاء لبحث المصالحة الوطنیة في أفغانستان، .بحضور ممثلین من روسیا، وأفغانستان، وإیران، والصین، والھند، وباكستان عقب محادثات الدوحة بین أمریكا وطالبان صرح سفیر الصین لدى باكستان یاو جینغ، بأن بلاده اعترفت بحركة طالبان «قوة سیاسیة»، بعد انخراطھا في محادثات السلام في أفغانستان، وقال یاو جینغ: «بكین تعتبر طالبان قوة سیاسیة كونھا أصبحت الآن جزءا من العملیة السیاسیة في أفغانستان، وبات لدى الحركة بعض الاھتمامات السیاسیة»، وأضاف السفیر الصیني حسب صحیفة «دون» الباكستانیة، أن لدى بلاده اتصالات مع «الحكومة الأفغانیة، وحركة طالبان»، لافتا إلى أن المبعوث الخاص لبكین زار المكتب السیاسي لطالبان في العاصمة القطریة الدوحة، وشدد على أن بلاده «تدعم جمیع الجھود الرامیة إلى إحلال السلام في كابل، لأن الشعب الأفغاني یستحق السلام .«والاستقرار خلاصة القول أن الرغبة بالاعتراف بحركة طالبان كقوة سیاسیة وعسكریة في أفغانستان من كافة الأطراف الدولیة والإقلیمیة، یأتي في سیاق الفشل في القضاء على الحركة واتساع نفوذھا وسیطرتھا، وتصاعد قوة أكثر رادیكالیة ممثلة بتنظیم الدولة الإسلامیة، والتي تتوافر على أجندة دولیة عابرة للحدود، وبروز تنافس دولي على كسب ود طالبان في إطار الاستراتیجیات الكبرى والتنافس الدول، ومع أن الوقت لا یزال مبكرا على معرفة النتائج المستقبلیة للمفاوضات بین أمریكا وطالبان، إلا أن الاعتراف بالحركة كقوة سیاسیة ولیس أرھابیة أصبح .أمرا واقعا