الفحيص

 

لقد راعني حفل الإفطار الرمضاني الذي أقامه دير الروم الأرثوذكس في الفحيص بالتعاون مع جمعية الإنسان أغلى مانملك قبل أيام لجميع موظفي الدوائر الرسمية في الفحيص وماحص لما يشكله من نموذج أخلاقي في القبول والتعايش وتعزيز حق الإنسان في اعتناق أي دين شاء في حرية كاملة كفلتها القوانين الإنسانية الحديثة وضمنتها الشرائع السماوية جميعها بعيدا عن قوى الشر الظلامية التي فسرت الشرائع حسب أهوائها فضلت وأضلت وكفّرت القاصي والداني وجلبت الويلات والدمار على بني الإنسان !

و " القبول " مصطلح اعم واشمل ، يستعمله جلالة الملك في خطاباته ، وهو بديل لمصطلح التسامح الذي شاع برهة من الزمان ، والفرق بينهما كبير ، إذ إن التسامح يعني إن الآخر مخطئ قد اعتدى علي لكني تنازلت عن خطئه وسامحته ، وهو معنى  أخلاقي جميل ، لكن مصطلح " القبول " اعم واشمل ، على اعتبار إن الآخر صحيح وصادق لكنه من لون آخر ، واقبله كما ألوان الربيع المتجانسة لتكمل الطبيعة دورها ، وبالمحصلة الاختلاف لا يطال  الفئات المختلفة فقط بل الناس  داخل المذهب الواحد والأسرة الواحدة ، وهو مطلوب وصحي ، وقد جاءت  رسالة عمان تحمل كل هذه المعاني السامية  .

زاد إعجابي وحبي بالتعرف وزيارة الأب الفاضل جريس سميرات الذي جعل هذا النموذج كإرث متعارف عليه  لدى أبناء الطوائف في الفحيص ، من مسلمين ومسيحيين ،  كصورة مشرقة من الألفة والمحبة بين بني الإنسان الذي يحس بوجعه وآلامه وحاجته لان علاقة الناس يبعضها علاقة إخوة لاتخرج عن ثلاثة محيطات إما أخ بالدم أو بالدين أو بالإنسانية ، وما سر البعثة النبوية المحمدية إلا لصالح الأخلاق وصلاح البشرية وكذلك الحال لكل أنبياء الله .

واستغرب سر نوم  الإعلام والفضائيات العميق  عن هكذا نموذج متميز لتعميمه ونشره لتشاهده منظمات حقوق الإنسان ليكون بديلا عن الفتنة والتناحر وعبادة الشيطان والفرقة العذاب .

نموذج آخر مشرف شكله رجل الأعمال عيسى الريموني وحدثتني عنه الناشطة اجتماعيا الدكتورة ردينه البطارسة حينما استنجدت بالريموني أبو الرائد لمساعدة مجموعة من أطفال فقراء في  روضة احد الكنائس في اربد فما تردد أن قدم مبلغا مجزيا دون منّة أو ذكر !

هي نماذج يمتلئ ذكرها في المجتمع الأردني الواحد تستحق آلاف البرامج والأخبار والأفلام الوثائقية لتعميم الفائدة وما من خير أعظم من حقن دم الإنسان و التعايش والحب بين الناس !

الزيارة التي قام  بها رئيس دولة العدو شمعون بيريس أمس الثلاثاء لمسجد الجزار في مدينة عكا برفقة الإمام الشيخ سمير العاصي  بمناسبة شهر رمضان، قدم من خلالها التهنئة للمسلمين بحلول الشهر الفضيل زيارة فريدة  ولكن من باب أولى  أن لا يسمح باستمرار قتل الناس في غزة وغيرها .. لتكون الزيارة حقيقية في سياق التعايش والحب وليس القتل والدمار !