يوم تزوجت سكرتيرتي!


البحث عن سكرتيرة خاصة، تنسق أعمالك ومواعيدك وسفرياتك، ليس بالأمر الهيّن. فأنت تريد أن تضمن فيها الأمانة إذ ستعطيها المفاتيح السرية لبطاقاتك الائتمانية، والثقة إذ ستطلعها على كل اتصالاتك ولقاءاتك، والجودة بحيث لا تحتاج في كل مرة إلى مراجعة ما أنجزته السكرتيرة من مهام. وبالإضافة إلى هذه المواصفات المهارية فأنت تحتاج إلى مواصفة وجدانية لا تقل أهمية عما سبق، وهي أن تجد سكرتيرة لا تغار منها زوجتك، وهذا هو السؤال الشكسبيري!؟

سيظن البعض أن الحل محصور في خيارين فقط: سكرتيرة مسنة فوق السبعين عاماً، أو سكرتيرة قبيحة تفضّل التعامل معها بالهاتف فقط!

لحسن الحظ أني لم أضطر لاستخدام أحد هذين الخيارين البشعين، بل إلى سكرتيرة شابة في العشرينات من عمرها، تملك مواصفات الأمانة والثقة والجودة في أعلى درجاتها، ولا تغار منها زوجتي. تلك هي ابنتي منيرة التي خرجت السبت الماضي من قفص السكرتارية إلى عش الزوجية.

 

 


ظلت منيرة في كل مراحل طفولتها ثم شبابها البنت والأخت الخَدومة والبشوشة والفرائحية التي تصنع المبادرات وتختلق الحفلات وتفتعل المبررات لتجلب هدايا من دون مناسبة. وكانت أكبر هداياها لأمها ولي هما: حين حفظت القرآن الكريم في الرياض، ثم حين أنجزت دراسة الماجستير في إدارة الموضة من باريس.

استطاعت ابنتي منيرة أن تجمع في سلاسة وانسجام بين ما يظن البعض أنه من المتناقضات؛ الالتزام والتذوق، الجدية والبشاشة، الإنجاز والاستمتاع.

والآن وقد غادرتنا منيرة إلى بيت الزوجية، هل أتحسر عليها بوصفها السكرتيرة التي تسهّل لي أعمالي، أم بوصفها البنت التي ستترك غرفتها ومقعدها وفنجانها في بيتنا فارغاً، مثلما فعلت أختها ثريا من قبل، وهكذا يفعلن البنات. وكأن أزواجهن يثأرون منا لأهالي زوجاتنا حين أخذنا بناتهم منهم قبل سنين ولم نفطن للألم الممزوج بالفرح تلك الليلة في بيت أهلها! الحقيقة أني لن أجعل للحسرة موطئاً في طريق السعادة الذي سلكته منيرة بحول الله، فسعادة الأهل في أبنائهم أن يكونوا «قريبين على بُعد بعيدين على قُرب»، وفق نظرية التواجد الصوفي.

أما أعمال السكرتارية فسأستأذن زوجها محمد في أن يستمر عقد العمل معها بتفرغ جزئي، وعن بُعد وفق تسهيلات العمل الالكتروني الآن، فإن لم يقبل فسأضطر للبحث عن سكرتيرة بديلة ممن بقي من البنات!

* كاتب سعودي.