نقاط اقتصادية مثار جدل دولي

استطاعت الأدبیات الاقتصادیة التي تبلورت بعد الحرب العالمیة الثانیة وتحدیداً بعد اتفاقیة بریتون وودز أن تفرض عدة نقاط استقرت في الفكر التنموي العالمي على اعتبار أنھا من ثوابت السیاسة الاقتصادیة، كما أن ھناك نقاطا أخرى فرضتھا ظروف الحرب الباردة بین الغرب والاتحاد السوفییتي آنذاك، ویمكن القول أن موضوع سیاسة الحمایة للصناعة الوطنیة والموانع الجمركیة ھي من مخلفات الحرب الباردة بینما نجد مثلاً أن المدیونیة الخارجیة ونسبتھا إلى الناتج المحلي الاجمالي وكذلك نسبة تغطیة المستوردات للصادرات من حیث عدد الأشھر ھي من مخلفات فلسفة الاقتصاد الناجم عن توقیع اتفاقیة بریتون وودز، وھنا نقول أن ھذه الاتفاقیة انبثق عنھا مثلث من المؤسسات ھي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتفاقیة العامة للتعرفة والتجارة، غیر أن ظروف الحرب الباردة ابطلت مفعول الاتفاقیة العامة وبقي الحال كذلك إلى أن تفكك الاتحاد السوفییتي وانھیار سور برلین حیث تم تأسیس منظمة التجارة العالمیة وتم ایقاف العمل بسیاسة .الحمایة كما تم اعتماد انسیاب السلع والخدمات بین الدول دون حواجز جمركیة ضمن مسیرة أمتدت لأكثر من سبعة عقود منذ اتفاقیة بریتون وودز استقرت في الأدب الاقتصادي مواضیع المدیونیة الدولیة والأزمات المتفاقمة بشكل دوري والعدید من السمات التي علقت بالمشھد الاقتصادي الدولي فبعد أن كادت سیاسة الحمایة للصناعة الوطنیة أن تندثر تماماً وأن یتم تجاوزھا كلیا فقد لاحظنا أنھا عادت إلى المشھد الاقتصادي الدولي وعاد معھا منطق الحرب التجاریة، ثم إن المدیونیة ونسبتھا إلى الناتج المحلي الاجمالي والتي كان الھدف تخفیض ھذه النسبة أو على الأقل عدم السماح لھا بتجاوز حد معین، فإننا نجد أن ھذه النسبة باتت من المسلمات وأن حدودھا لم تعد قائمة ثم أن التوجھ الدولي بالتصدي لعجوزات الموازنات استقر عند رأي ثابت ألا وھو تبني الدولة للسیاسة الانكماشیة في الانفاق حرصاً على عدم زیادة العجز بینما نجد أن دولاً مثل البرازیل تعرضت لأزمة اقتصادیة خانقة وأنھا لم تستطع أن تخرج من أزمتھا إلا بعد أن سبحت عكس ارشادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واتبعت سیاسة انفاق عام توسعیة، ومن النقاط الأخرى أیضاً ھو مثلاً نسبة تغطیة المستوردات للصادرات فھل المعیار الدولي الدولي بضرورة تغطیة المستوردات على مدى زمني یصل إلى ستة شھور ھو القاعدة الذھبیة في ھذا الأمر أم ھو الحد الأدنى المسموح بھ أم أن الأمر یعتمد على مدى ما یحقق میزان المدفوعات من فائض أو ما یسمى بقدرة الاقتصاد الوطني على الدفع، ھذه النقاط وغیرھا باتت مجدداً موضع جدل بعد أن كادت الأدبیات .الاقتصادیة أن تستقر عند قناعات محددة لھذه النقاط ھذا الأمر أعاد ظاھرة عدم الاستقرار الفكري للمنظور الاقتصادي العالمي خاصة التنموي وبالتالي أصبح لزاماً أن یصار إلى إعادة النظر في العدید من النقاط التي ارتقت إلى مستوى الثابت لتكون من جدید موضع نقاش وجدل للتوصل إلى قناعات جدیدة وإلى نقاط جدیدة ذات مدلولات جدیدة وفق الظروف والمستجدات الاقتصادیة الدولیة، فطالما أن المشھد الاقتصادي العالمي یتغیر فلا بد وأن یواكبھ تغیر في .الصیغ والقوالب الفكریة التي لا بد وأن تشكل حاضنة للتداعیات المستجدة