هل تمتلك الحكومة إرادة حقيقية لوقف الهدر العام؟

ثمة قول ينطبق على حال حكومتنا، وهو إذا لم تنجح في البداية فافعل الشيء نفسه مرة أخرى في مكان آخر.
حكوماتنا التي تشتكي الفقر وضيق الحال وقلة الحيلة وذل الدين والقروض مطالبة بالتوقف بشكل كامل عن تشكيل اللجان والأكاديميات والمنصات والهيئات، والبدء في دمج وحل بعض الهيئات المستقلة التي تستنزف الدولة وتزيد من العبء على المواطن وعلى مالية الدولة، والتي أصبح بعضها مصلحة للتنفيع ومزرعة لإرضاء الطامحين والطامعين بالمناصب، والتي يصل عددها إلى 60 وحدة وهيئة مستقلة في الأردن.
وبعض الهيئات تتضارب صلاحياتها مع الوزارة المفترض أنها تابعة لها، بل إنها أحيانا تفوقها في الصلاحيات والتأثير، ووجودها لا مبرر مهنيا أو عمليا له، مثلا هناك «هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن» و»هيئة الطاقة الذرية الأردنية» و»شركة الكهرباء الوطنية» و»شركة السمرا لتوليد الكهرباء»، وهناك بالطبع «وزارة الطاقة والثروة المعدنية».
في المياه هناك «سلطة المياه» و»شركة مياه الأردن- مياهنا» و»شركة مياه العقبة» و»شركة مياه اليرموك» وبالطبع «وزارة المياه»، في مجال النقل الوضع مربك فهناك «مؤسسة سكة حديد العقبة» و»الخط الحديدي الحجازي الأردني» و»هيئة تنظيم النقل البري» و»هيئة تنظيم الطيران المدني» و»شركة المطارات الأردنية» و»دائرة الأرصاد الجوية».
مثال آخر لمزيد من التوضيح يوجد لدينا «المجلس الأعلى للشباب» و»الصندوق الوطني لدعم الحركة الشبابية والرياضية» بالإضافة إلى «وزارة الشباب».
وحتى لا نضيع بالتسميات هناك نحو 9 هيئات مستقلة طبيعة عملها تقع ضمن اختصاص «وزارة الصناعة والتجارة»، ونحو 9 هيئات يقع اختصاصها ضمن «وزارة المالية» مثل «مركز إيداع الأوراق المالية» و»البنك المركزي» و»بورصة عمان»، و»هيئة الأوراق المالية» و»دائرة الموازنة العامة» و»الجمارك الاردنية» و»دائرة اللوازم العامة» و»دائرة ضريبة الدخل والمبيعات» و»دائرة الأراضي والمساحة».
والأهم والأخطر أن رواتب العاملين في هذه الهيئات هو راتب خيالي مقارنة برواتب باقي موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين.
وبينت دراسة نشرت سابقا أن فروقات الرواتب بين الدوائر الحكومية والمؤسسات والهيئات المستقلة كبيرة، وتتراوح رواتب موظفي بعض المؤسسات المستقلة بين 800 و 4000 دينار، والمدراء ما بين 3000 و12000 دينار بالإضافة الى الامتيازات الأخرى كبدل سكن وتنقلات ومياومات، وكلها موثقة ضمن عقود ديوان الخدمة المدنية، بينما رواتب شرائح الموظفين والمتقاعدين تتراوح بين 200 و400 دينار ورواتب المدراء من 400 إلى 700 دينار بعد خدمة أكثر من عشرين عاماً.
إن عملية الدمج ووضع سلم للرواتب يحقق العدالة بين باقي موظفي جهاز الدولة، كما من شأنه توفير نفقات متعددة الأوجه منها مكافآت ورواتب وأجور مقار ومبان ونفقات تتعلق بالسيارات والوقود والكهرباء وغيرها.
بالطبع إن أي عملية دمج او إلغاء تحتاج إلى قانون ولن تعجز الحكومة عن وضع مثل هذا القانون وإقراره من قبل السلطة التشريعة، هذا في حال فقط توفرت الإرادة والرغبة الحقيقة في إصلاح الخلل في نفقات الدولة.
هل لدى الحكمة مثل هذه الرغبة؟