غموض وتخبط أميركي في سوريا

من الصعب بناء تصور محدد حول السیاسة الأمیركیة في سوریا نظرا لغیاب استراتیجیة واضحة المعالم والأھداف، فالغموض والتخبط والتناقض سمات بارزة طبعت سلوكیات وقرارات الإدارة الأمیركیة السابقة والحالیة، ویعود ذلك إلى الانقسام الحاد داخل الإدارة الأمیركیة عموما وإدارة الرئیس ترمب خصوصا، بحیث یمكن قول الشيء ونقیضھ في نفس الوقت، وتقدیم ضمانات ثم نقضھا في الیوم التالي، واتخاذ قرارات والتراجع عنھا ببساطة، كل ذلك یجري عبر تغریدة عدوانیة مفاجئة ومتطرفة من ترمب یعقبھا مكالمة مسالمة ورصینة، .في سیاق من التخبط والغموض دون مقدمات صعق الرئیس الأمیركي دونالد ترمب حلفاءه وبعض مستشاریھ عندما أعلن عبر «تغریدة» عن قرب الانسحاب الأمیركي من سوریا، واستقال على إثرھا وزیر الدفاع جیمس ماتیس احتجاجا على القرار وتبعھ المبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد تنظیم «الدولة الإسلامیة» بریت ماكغریك والذي استقال من وزارة الخارجیة، وعقب صدمة القرار وردة الفعل في واشنطن قرر أن یمدد المھلة من 30 یوما إلى أربعة أشھر، وارتفعت وتیرة التخبط والغموض بعد تصریحات تقول أنھ لا یوجد جدول زمني للانسحاب، ثم یخرج ترمب لیقول «سنخرج من سوریا» و"لكننا لن ننسحب حتى ھزیمة تنظیم الدولة»، وعقب مكالمة ھاتفیة یقول ترمب لأردوغان: «اسمع. سوریا لك. أنا .«سأغادرھا مع تصاعد الانتقادات لقرارات ترمب ومصیر أكراد سوریا، وإعلان تركیا قرب عملیة تركیة شرق الفرات، نشر ترمب تغریدات في 13 ینایر الجاري یؤكد فیھا أن بلاده ماضیة في سحب قواتھا من سوریا، وكتب في إحدى التغریدات «سندمر تركیا اقتصادیا إذا ھاجمت الأكراد»، ودعا إلى إقامة منطقة آمنة عرضھا ثلاثون كیلومترا، دون أن یوضح حدودھا ومن سیمولھا، وفي الیوم التالي تراجع الرئیس الأمیركي دونالد ترمب عن تھدیده بإلحاق الأذى بالاقتصاد التركي في حال ھاجمت أنقرة الأكراد، وقال في أعقاب اتصال ھاتفي مع نظیره التركي رجب طیب أردوغان إن ھناك إمكانیة كبیرة لتوسیع التعاون الاقتصادي بین البلدین، وسرد ترمب تفاصیل محادثتھ الھاتفیة مع الرئیس التركي في تغریدات على تویتر قال فیھا إن ھناك إمكانیة كبیرة لتوسیع نطاق التعاون الاقتصادي بین أمیركا وتركیا، مضیفا أنھ .تحدث مع أردوغان عن التنمیة الاقتصادیة إن حالة التخبط والفوضى والغموض الأمیركیة تجاه سوریا تجعل من إمكانیة التنبؤ بالخطوات والمواقف القادمة للسیاسة الأمیركیة شبھ .مستحیلة ومنفتحة على كافة الاحتمالات ومتلبسة بالتناقضات، ویعود ذلك بصورة جلیة إلى الانقسام داخل البیت الأبیض نفسھ فترمب الراغب بالعزلة القومیة یرید تفكیك مغامرات الولایات المتحدة العسكریة والمكلفة والتي لا تعود علیھ إلا بفائدة سیاسیة قلیلة في الداخل حسب صحیفة «واشنطن بوست»، وعلى خلاف الكثیر من الجمھوریین لم یكن ترمب مھتما بفكرة التخلص من بشار الأسد، ولھذا أعلن في دیسمبر الماضي وبطریقة مفاجئة عن ھزیمة تنظیم «الدولة» رغم الأدلة الكثیرة التي تشیر إلى العكس، وقال إن محاربة بقایا .التنظیم ھي مسؤولیة تركیا والدول العربیة الأخرى على الجانب الآخر فإن الصقور في واشنطن بمن فیھم مسؤولین في إدارة ترمب یتعاملون مع الوضع في سوریا بطریقة مختلفة، فوزیر الخارجیة مایك بومبیو ومستشار الأمن القومي، جون بولتون والمبعوث الخاص إلى سوریا الدبلوماسي السابق جیمس جیفري یرون أن مھمة الجیش الأمیركي لیست ھزیمة تنظیم «الدولة»، بل والحد من التأثیر الإیراني في سوریا، كما أن القیادة العلیا في البنتاغون لیست مقتنعة بھزیمة تنظیم «الدولة»، فالمسؤولین العسكریین عبروا عن تحفظاتھم العمیقة من الانسحاب السریع في الوقت الحالي حیث لا یزال المتطرفون الذین أضعفوا تھدیدا قویا فیما لا تزال تركیا تعطي الأولویة لقتال قوات سوریا الدیمقراطیة التي تدعمھا الولایات المتحدة، وجأت زیارات كل من بولتون لإسرائیل وتركیا وبومبیو إلى ثماني دول منھا السعودیة ھي محاولة لتطمین الحلفاء والتأكید لھم أن إدارة ترمب ملتزمة بالمصالح الأمنیة لھم، ولكن الرحلات وتصریحات الرئیس تعبر عن الانقسام داخل الإدارة وتزید الغموض حول ما یجب .عملھ في قادم الأیام كان لیندسي غراھام السناتور الجمھوري قد ثمن موقف ترمب الأخیر حیث أكد على «أن ما یھم في الانسحاب ھو التأكد من عدم عودة تنظیم «الدولة» وحمایة الأكراد السوریین، وعقب زیارتھ لتركیا قال إن قرار الرئیس الأمیركي، دونالد ترمب بسحب القوات من سوریا یجب أن یخدم ثلاثة أھداف تتمثل بھزیمة تنظیم الدولة الإسلامیة في العراق والشام أو ما یُعرف بـ"داعش» ومنع انتصار إیران وحمایة تركیا، وحول انشاء مناطق عازلة في الشمال السوري، قال غراھام أن «القیام بذلك بشكل صحیح أمر مھم، وإنجاح خارطة طریق منبج في الوقت الراھن، ھو الشيء الأھم، وآمل أن ینسحب ترمب تدریجیا من سوریا بعد القضاء على داعش، ویطبق خارطة طریق منبج كإجراء لتعزیز الأمن، وبذلك یتم تطھیر منبج من عناصر وحدات حمایة الشعب وتسلیم المنطقة لأھلھا عبر التعاون مع تركیا، وإن لم نفعل ذلك فإن .«انسحابنا یشكل مصاعب كبیرة لتركیا حالة التشوش والغموض الأمیركیة تتجلى بصورة واضحة من خلال التعامل مع تركیا، فحسب الأستاذة في أكادیمیة باریس للعلوم السیاسیة، جانا جبور، إن تركیا ما تزال تملك ورقة رابحة في المفاوضات حول الانسحاب الأمیركي من سوریا، لأن الإدارة الأمیركیة تحتاج بعد سحب القوات الأمیركیة إلى شریك قوي على الأرض في سوریا لمحاربة تنظیم داعش، فإذا كانت أمیركا جادة في إخراج قواتھا من سوریا، فھذا لا یمكن أن یتحقق بدون الاتفاق مع تركیا، لأن واشنطن بحاجة إلى مساعدة تركیا لمواصلة القتال ضد داعش، ومن المستحیل على واشنطن تأمین المساعدة التركیة دون أن تقدم تنازلاً لأنقرة بمنحھا الضوء الأخضر لشن عملیة عسكریة ضد المیلیشیات .الكردیة خلاصة القول أن حالة التخبط والغموض التي تطبع السیاسة الأمیركیة في سوریا، ھي نتاج منطقي للافتقار لاستراتیجیة واضحة ومحددة، فالإدارة الأمیركیة منقسمة إلى حد كبیر حول ما یجب فعلھ في سوریا، حیث یرید الرئیس ترمب بالفعل الانسحاب من الشرق الأوسط، وترك حل أزمات الشرق الأوسط، ولا سیما الأزمة السوریة، إلى روسیا وتركیا، في حین أن وزارتي الدفاع والخارجیة لدیھا تفضیلات أخرى، ویبدو أن إیجاد حل وسط بین أنقرة وواشنطن أمر صعب للغایة حسب جانا جبور لسببین؛ أولاھما: أن ھناك خلافات كبیرة بین الجانبین ترجع إلى أن الجماعات التي یعدھا الأتراك أعداء ھي في الواقع حلفاء وأفضل أصدقاء الولایات المتحدة. ومن غیر المحتمل إلى حد بعید أن تتخلى الولایات المتحدة عن الأكراد لإرضاء أنقرة، وثانیھما: أن الولایات المتحدة، لیس لدیھا موقف واضح، لأن الإدارة الأمیركیة نفسھا منقسمة بین البیت الأبیض ووزارة الخارجیة والبنتاغون، وبھذا فإن كافة الاحتمالات في سوریا ستبقى مفتوحة ومتقلبة .وتتجھ نحو مزید من الغموض والتشوش والتخبط