لماذا سوريا مختلفة؟

لماذا سوريا مختلفة؟
بقلم: د. آية عبد الله الأسمر
 
عندما اندلعت ثورة الياسمين في تونس الخضراء هللنا لها وكبّرنا، وأدركنا بمجرد سفر زين العابدين بن علي أنه خرج بلا رجعة، ورددنا جميعا: "إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلابد أن يستجيب القدر".
أضاء الشباب المصري بعد ذلك مشاعل الثورة في ميدان التحرير، فتابعنا تفاصيل الثورة المصرية بحذر وترقب وخوف كون النظام المصري يعد رأس المسبحة، ولإيماننا بأن نظام حسني مبارك كان وبالا على الأمتين المصرية والعربية، فابتهجنا بسقوطه ورحبنا بتنحيه واحتفلنا بمحاكمته.
اندلعت الثورات في كل من اليمن وليبيا وتفتحت أكمام ربيع الثورات العربية، وفاجأنا كل من الرئيس اليمني والليبي بتمسكهما المستميت بالسلطة على حساب الشعب والأرض والوحدة والأمن، وأريقت الدماء من جانب الطرفين، ونحن ما نزال ننتظر أن ينصر الله الشعوب المقهورة، المنكوبة بحكام أبوا حتى في لحظات سقوطهم إلا أن يتركوها خرابا للغربان، تنزف الفوضى والدماء والصراع، وترزح تحت كلاكل قصف حلف الناتو وتصريحات البيت الأبيض وأنياب إسرائيل المتأهبين دوما للتدخل في شؤون الأمة العربية، للانقضاض على مصالحها، واختطاف لحظات الأمل من بين أهداب الثوار الأحرار والإصلاحيين.
بالنسبة لدول أوروبا وأمريكا فالقضايا والأراضي والشعوب العربية عبارة عن مستعمرات ومشاريع ومصالح، يتم حساب المكاسب ودراسة الأرقام وقياس الخسائر والأرباح، ومن ثم يتم الاتفاق على توزيع الغنائم واتخاذ القرارات التي تخدم مشاريعهم المادية والسياسية في المنطقة.
أما فيما يتعلق بنا كقوى شعبية مناهضة للاستعمار والديكتاتورية والظلم والقمع من جهة، وننشد الحرية والكرامة والإصلاح والتغيير من جهة أخرى، فإن مواقفنا إزاء كل الثورات كان واضحا وجليا وموحدا وثابتا، في تأييده لثورات الشعوب وحقهم في المطالبة بالحرية والإصلاح، واجتثاث جذور الفساد من سدة الحكم في كل مكان ونظام ودولة.
أما فيما يتعلق بالشأن السوري، فاشتعال فتيل الثورة في سوريا لم يبهجنا ويحرك مشاعرنا الوطنية الدافقة تجاه الحرية والديمقراطية، بل لقد رسم بريشة الخوف صورة بغداد الشموخ وهي تسقط عام 2003 على يد المحتل الأمريكي وبمساعدة المعارضة العراقية على ظهر الدبابات الأمريكية.
السؤال المطروح هنا لماذا اتفقنا على حق الشعوب العربية في تفجير الثورات ونوال الحريات، إلا أننا توقفنا مترددين على الحدود السورية، نهنئ بعضنا البعض عند سقوط كل طاغية وندعو الله أن تنتهي الأزمة في الشقيقة سوريا على خير، ونتضامن مع إخواننا الثوار في الدول العربية وننعت المعارضة في سوريا بالمتآمرين والخونة والعملاء؟
أعتقد أن خوف البعض -وأعترف أنني واحدة منهم- من الأحداث في سوريا مرده إلى عدة أمور أهمها:
1-              أن الثورة تولد عادة إما من بطن الداخل المتورم ظلما وقهرا وكبتا، أو من جراء رفض هذا الداخل لسياسة الانبطاح الخارجية التي يمارسها النظام للقوى الإمبريالية الأخرى، والتي عادة ما تعمل على الحفاظ على النظام الديكتاتوري بالرغم من عدم مشروعيته، مقابل قائمة لا تنتهي من التنازلات التي تتم على حساب الوطن وثرواته والشعب وكرامته وقضايا قومية سياسية كبرى، في حالة نظام بشار الأسد وإن توافر العامل الداخلي ألا وهو القمع والفساد الذي تشترك فيه الأنظمة العربية البائدة الأخرى، فقد انتفى عنه العامل الخارجي بما تتمتع به سوريا من عضوية رمزية في محور دول الممانعة.
2-              دور سوريا في تشكيل محور مضاد للمشروع الصهيو- أمريكي في منطقة الشرق الأوسط من خلال تحالفها مع إيران ودعمها لحزب الله وتأييدها لحماس، وبالرغم من تحفظاتنا على أطماع إيران في المنطقة، وتخوّفنا من المد الشيعي والحقد التاريخي بين السنة والشيعة، إلا أننا بالتأكيد لا نريد لإسرائيل والمحكمة الدولية الانفراد بحزب الله ونزع سلاحه والقضاء عليه، لتنطفئ آخر جذوة للمقاومة في المنطقة.
3-              الذكريات السوداء التي تسربلت بها الذاكرة العربية منذ مطلع التسعينات إبان دخول القوات الأمريكية إلى العراق، ما زالت تئن في الضمير العربي المكلوم على حضارة ومجد وتاريخ سفحت دماؤه على يد الخونة من أبنائه العاقين، الذين تهافتوا كالذباب على ظهر الدبابات الأمريكية، ووصموا الذاكرة العربية بندبة تتقيح مع كل عيد أضحى يمر بعد سقوط بغداد، وعليه فنحن مستعدون للدفاع عن دمشق والأراضي السورية حتى لا يتبجح الاستعمار بعهره في الفضاء السوري بحجة الحرية والمعارضة والديمقراطية.
4-              ثبات موقف النظام السوري من قضية الأمة العربية مع إسرائيل، ورفضه التنازل عن ثوابته من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، يعد من أهم الأسباب التي تجعلنا نتعاطف مع النظام السوري، وهناك -بالرغم من مزاعم الكثيرين- مواقف وبراهين تاريخية أكبر وأعمق من مجرد مؤشرات ودلائل، تدحض الافتراءات التي تزعم وجود مفاوضات سرية أو علاقات مشبوهة بين النظام وإسرائيل أو القوى الإمبريالية الأخرى بشكل عام.
5-              إننا نعي تماما الأخطاء التي ارتكبها حزب البعث سواء في تجاهله لخلايا الفساد التي استشرت في الدولة، وقمعه للحريات واحتكاره للسلطة وانفراده بالحكم، وكذلك سوء إدارته لحركات الاحتجاج وصرخات المعارضة، إلا أن جميع الأنظمة العربية والدولية التي تطالبه بالتنحي ليست أفضل حالا منه حتى تدعي أنها عرّابة الحرية ومبشرة بالديمقراطية.
6-              عندما يفقد أي نظام شرعيته بسبب بطشه وظلمه وفساده، تفقد المعارضة مصداقيتها بسبب تحالفها مع القوى المعادية الخارجية بحجة "الغاية تبرر الوسيلة"، والأجدر بنا محاربة المعارضة التي تطيح بالدولة والشعب من أجل الوصول إلى سدة الحكم، تحت شعارات الحرية والديمقراطية.
 
نحن وبكل تأكيد مع حركة إصلاح راديكالية في سوريا تطال كل الفاسدين والمفسدين، ومع تعديلات دستورية تضمن للشعب حقوقه المدنية والسياسية، وتصون كرامته وتكفل له حريته وتدمجه في القرار السياسي، وندين بشدة استخدام العنف مع الثوار وإراقة دماء أشقائنا السوريين، ونستنكر على النظام السوري استخدام الأدوات الأمنية القمعية عوضا عن الحوار مع المطالب الشعبية،  إلا أن محور الشر متمثلا في أمريكا وإسرائيل وحلف الناتو والذين يهمهم جدا أن يحوّلوا دولة بحجم وثقل وأهمية سوريا إلى عراق ثان، يدا بيد مع أتباع وأذناب محور الشر من متآمرين ووصوليين من الداخل السوري، والذين لا يهمهم الشأن والشعب والأمن والمستقبل السوري بقدر ما تهمهم لحظة الانقضاض على السلطة باسم المعارضة، حوّلوا الثورة في سوريا إلى مؤامرة على سوريا.