اين كرامتكم يا عرب ...؟
اين كرامتكم يا عرب ... ؟
استبشر المواطنون العرب خيرا ، مع قدوم ربيع الثورات العربية ، الذي هل علينا مع بداية العام ، فقد كان حدثا مفاجئا ، قلب كثيرا من مفاهيمنا عن تنويم الشعب العربي ، في مختلف اقطار العروبة ، هذا التنويم الذي استمر لعقود طويلة ، حتى اصبحت كلمة ثورة ، تعبر عن تاريخ غابر ، من ثورات ضد المستعمر صنعتها الشعوب ، الى ثورات قادتها الدبابات الى مباني الاذاعات وقصور الزعماء ، اما ان تنطلق ثورات شعبية ضد حاكم ، جاء الى الحكم من خلال ثورة ، مطالبة بتنحيه عن كرسي الحكم ، فهي اول سابقة في التاريخ العربي الحديث ، فهي لم تأتي لتثوير الثورة او تصحيحها ، بل لنسفها من أساسها ، والعودة الى مربع ما قبل الثورة الأم .
لقد ترافقت انتفاضات وثورات بعض الشعوب العربية سابقا ، مع رفع رآيات العداء للامبريالية الامريكية ، واحفاد المستعمرين الاوروبيين ، والانظمة العربية الحاكمة ، التي كانت تتهم بالعمالة لهولاء ، والتآمر على شعوبها ، وعلى قضايا الامة المصيرية ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، ونشأ في المحيط العربي ، احزاب قومية ويسارية ، تنادي بالثورة والحلول الانقلابية لأزمات الامة ، وصنفت الانظمة العربية ، الى انظمة تقدمية واخرى رجعية ، تبعا لتبنيها او رفضها نظريات الثورة والحلول الثورية ، او تبنيها للخيار العسكري في الصراع مع اسرائيل ، او الحلول السلمية ، او تبعا لتبنيها النظرية الاشتراكية او رفضها لها ، وتبعا لتميز علاقاتها من منظومة الدول الاشتراكية سابقا او نفورها منها ، وتبعا لدعمها لحركات التحرر العربية والعالمية ، او رفضها لها ، وكانت سمة الانظمة التي تصنف بالرجعية ، هي الاعتدال والوسطية ، فكان هذا الاعتدال وهذه الوسطية ، عامل استقرار لها ولشعوبها ، ولد لدى الكثيرين لاحقا ، وبعد تهاوي وانحراف العديد من الانظمة التقدمية عن مسارها ، ولد شعورا بانها الانجح ، والاقدر على الاستمرار ، وعلى تحقيق التقدم الاقثصادي والاجتماعي .
اما اليوم ، فان مفهوم الثورة قد تغير ، اصبح قايين هو هابيل ، وهابيل اصبح قايين ، انظمة الوسطية والاعتدال ، وبعد اربعة عقود من الهدنة مع الانظمة الثورية ، والامتنان للقوى التي ساهمت في تلك الهدنة ، والتي اعادت سيفها الى غمده ، بعد ان كان مسلطا على رقاب انظمة الاعتدال ، جاءت هذه الانظمة ، لتنتزع السيف من غمده ، وتسلطه على المهادنين ، فتدعم ثورات ترعاها هذه المرة امريكا ، لكن بشعارات مختلفة ، شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان ، وهذه الانظمة نفسها لا تمارس الحد الادنى من الديمقراطية ، ولا تمتلك الحد الادنى من الاحترام لحقوق الانسان ، وكلنا يدرك كم عانينا من الولايات المتحدة والغرب ، طوال صراعنا المسلح والسلمي مع اسرائيل ، نتيجة انحيازها المفضوح لاسرائيل ، وكم قتلت اسلحة امريكا وما تزال من ابناء العروبة ، وليست مجازر غزة عنا ببعيدة ، وكم عانت دول وانظمة ، سارت في طريق الديمقراطية من تأمر امريكا عليها ، ألم تتآمر امريكا على الرئيس التشيلي المنتخب ، سلفادور الليندي ، اوائل السبعينات من القرن الماضي ، وترتب انقلابا يؤدي الى مصرعه ، وترتكب المجازر بحق الطلبة والعمال الذي ثاروا دعما لنظام حكمهم ؟ ألم تقم الولايات المتحدة نفسها على القهر والابادة ، لسكان ارضها الاصليين ؟ ألم تدعم الولايات المتحدة وما تزال ، انظمة استبدادية اخرى ، سواء في منطقتنا العربية او غيرها ، لكنها تكن الود تجاه اسرائيل ، وتنفذ مخططات الولايات المتحدة ؟ لماذا لا تدعم الولايات المتحدة حق الشعب الفلسطيني ، في اقامة دولته المستقلة على ارضه ، وتدعم حق العودة لابنائه المشردين في اصقاع الدنيا ؟ لماذا لا تحث الاسرائيليين على الثورة ضد قيادتهم المتزمتة ، التي ترفض السلام ؟ لماذا لا تدعم حق الاكراد في تركيا ؟ ما دامت قد اصبحت الشرطي والقاضي ، تحكم وتنفذ قراراتها ، باسم حرية الشعوب ؟
مفتاح اللغز ، ابحث عن اسرائيل ، ما دامت هذه الثورات ، في تونس ومصر وليبيا ، لم تتطرق الى اسم اسرائيل او فلسطين ، وما دامت لم تحرق علما واحدا امريكيا او اسرائيليا ، وما دامت لا تتطرق الى نهب خيرات الأمة ، فانها ستنعم بالرضى الامريكي الاسرائيلي ، اتحدى اي من زعماء هذه الثورات ، ان يقول كلمة واحدة تزعج اسرائيل ، او يتطرق الى حقوق شعب فلسطين ، انهم يحفظون درسهم جيدا ، ولن يرتكبوا مثل هذا الاثم ، فقد بان الخيط الابيض من الاسود ، واتضحت الصورة ، بعد ان امتدت نيران الفتنة الى سوريا ، ليقفز الشعار من اصلاح النظام الى اسقاطه ، بعد ان شارف قارب الاصلاح على الوصول الى ميناء الديمقراطية المنشودة .
شرعية اي حكم ، تتأتى من سيره في طريق الديمقراطية ، وانسجامه مع طموحات شعبه ، ولن تتأتى من تصريح لباراك حسين او هيلاري كلينتون ، فهما لا يملكان حق اضفاء الشرعية او سحبها ، ومن العار على الشعب العربي ، ان يدعي الثورة على ظلم الحكام ، بدعم ممن يدعمون القمع والقتل والمجازر الدموية ضد شعب فلسطين ، عار ان تستقبل مدننا العربية "الثورية" ، سفراء امريكا باغصان الزيتون ، والآلة العسكرية الامريكية مسلطة على اخوة لنا في العروبة ، لانهم يطالبون بحقهم بالحرية والاستقلال ، والخلاص من الاحتلال ، عار ما بعده عار ، ان يطلب ادعياء المعارضة الوطنية ، تدخل الناتو لقصف ابناء شعبهم وقتلهم ، عار ما بعده عار ، ان يطالبون بالحصار الاقتصادي والتجويع لابناء شعبهم ، وهم في فللهم باوروبا ، ينعمون بملايين لا ندري من اين اتتهم ؟ عار ما بعده عار ، ان يتقاطر زعماء احزاب ، اشبعونا سبا وشتما لامريكا ، ولكل من يتعاون معها ، يتقاطرون الى استنبول ، للاجتماع مع الامريكيين ، والتآمر على من كان حليفهم بالجهاد ، لاشهر خلت ، فاين كرامتكم يا عرب ؟
مالك نصراوين
23/8/2011