تعديلات على الدستور
في الدُّستور مادَّة (قاعدة على قلبي)، مثلما هي على قلب رئيس التحرير، فيما أظن، وعلى قلوب كثيرٍ من الناس، ولكن الخوضَ فيها، بحسب رئيس التحرير نفسه، يثير حساسية الشارع تجاه موضوع بعينه!! وما دمتُ أتحدَّث بالألغاز بمحاولةٍ للَّفِّ والدَّوران على القرارات التَّحريريَّة (لا تلك المرتبطة بالرَّبيع العربيِّ) التي تقمع مقالاتي بين الحين والآخر، فإني لن أقترب من المادَّة المحرَّم عليَّ أردنياً، فيما يبدو، أن أطال هيبتَها، مع أنَّ الدستور برمَّتِه بشريٌّ محض، وضعَه بشرٌ محض، واهتدى به بشرٌ محض، ولذا ما من مادة، نظريَّاً، ينبغي أن تحظى بالعصمة فتُحظَر مناقشتُها على ملأ.
وإذا كان ليس من الممكن نشر آرائي في مادَّةٍ ليس مسموحاً لي أن أبقَّ بحصتها، بمخالفةٍ صريحة للبند الأول من المادة 15 من الدُّستور الأردنيّ التي تكفل لي مثل سائر الأردنيّين والأردنيَّات ما نصُّه: "تكفل الدَّولة حريَّة الرَّأي، ولكلِّ أردنيٍّ أن يعرب بحريَّة عن رأيه بالقول والكتابة والتَّصوير وسائر وسائل التَّعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون". ولربَّما أنَّ رئيس التَّحرير قد قرأ المادَّة الدُّستوريَّة السَّابقة جيِّداً، وارتأى أن يتبنَّى ما أتبنَّى من أنَّ كلمة "أردنيّ" لا تعني أبداً "أردنيَّة" أي أنَّ الدُّستور، وهو دستور (أي أعظم وأهمّ وأعلى مرجعٍ نصِّيٍّ مَدَنيٍّ، وينبغي، لذا، أن يكون مُحكَماً إحكاماً شديداً)، قد تجاهل في جميع نصوصه وموادِّه المرأة. فبالإضافة إلى أنَّ الفيهقة التَّبريريَّة التي يُحدِثُها الأصوليُّون اللُّغويُّون والأصوليُّون بعامَّةٍ (والتَّذكير هنا مقصود، ولا أقصد الإسلاميّين بالضَّرورة)، ومنهم من تسنَّمَ هذا المنصب أو ذاك، فثمَّة فَهمٌ عامٌّ لدى المجتمعات، منعدِمُ الحساسية تجاه العدل والكيانات التي تتجاهلُها على مرِّ التاريخ، يمرُّ على المذكَّر كأنَّه (حقيقةٌ مُنزَلةٌ) وتنضوي تحته الحقائقُ (الصُّغرى) جميعاً!!!
ولنعدْ إلى الدُّستور بتجاهله، مقصوداً أو غيرَ مقصود، الكيان الأنثويَّ، بسبب أنَّه "حقيقةٌ صغرى" (وليس فقط حقيقةً صغيرة)، فعندما يريدُ، أقصد الدُّستور، أن يتناول فكرة المساواة بين الجميع في البندِ الأوَّل من المادَّة السَّادسة يقول:
"الأردنيُّون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العِرْق أو اللُّغة أو الدِّين". فبالإضافة إلى التَّذكير في "الأردنيون"، التي يزعم من يزعم أن الكلمة تعني "الأُردنيَّات" أيضاً (وليست بوضوحِ الشَّمس كذلك!!)، فإنَّ الشَّارعَ (والتَّذكير مقصود) قد نسيَ، أو ربَّما تقصَّد، أن لا يُورِّطَ المرأةَ في الوجود السِّياسيِّ أو في الوجود عموماً (!!!)، فلم يذكرها عندما ذَكَرَ انتفاء التَّمييزِ على خلفيَّة اختلافٍ في العرقِ أو اللُّغةِ أو الدِّين!!!! لقد ظلَّ الجندرُ (أي الجنس من المؤنَّث والمذكَّر) محذوفاً من التَّفكير الدُّستوريِّ حتى هذه اللَّحظة.
وما دمنا في مراجعةٍ للدُّستور على أملِ تقدُّمٍ وإصلاحٍ، فلنسأل أبرأ سؤال: وهل سنتمكَّنُ من أن نذهبَ إليهِ هذا الإصلاح بينما جنسُ النساء مُستثنىً ومحذوفاً من أعظمِ وأعلى وأهمِّ مرجعٍ مدنيٍّ للحكم؟
دعونا لا نفقد الأمل...