الاخوان والمشاركة والانتحار السياسي!

 


 


أن يدخل الاخوان على خط "المشاركة" في هذا التوقيت تحديدا يعني انهم يغامرون بمستقبلهم السياسي، او انهم –بتعبير الشيخ الصديق سالم فلاحات في تعليقه امس على مقالتي- اختاروا "الانتحار السياسي" وهذا خيار غير مطروح كما فهمت من كلامه.

ماذا يريد الاخوان اذن؟ اعتقد ان ما يتطلع اليه الاخوان الآن هو الضغط باتجاه تحقيق "اصلاح" يلبي الحد الادنى من مطالب الشارع، وهذا –بحسب قناعاتهم- لم يحصل بعد، فيما يرون ان المناخات الداخلية والاقليمية مناسبة تماما لانتزاع المزيد من الاصلاحات، ولدى الاخوان –بالطبع- ما يراهنون عليه فعلى جبهة الثورات العربية التي اكتملت او هي في طريقها الى الاكتمال "يتمدد" الحضور الاسلامي بشكل لافت ما يمنحهم "ظهيرا" للصمود والنفير وعلى جبهة الداخل ثمة حراكات شعبية يمكن التعويل عليها لمواصلة المشوار كما ان التطورات التي حدثت على صعيد قبول "الاسلاميين" لدى مراكز صنع القرار في العالم وفتح الابواب للحوار معهم كشريك قادم، يسهّل عيلهم تقديم انفسهم بشكل افضل ضمن المواصفات الدولية التي تدعو الى "التصالح" مع الديمقراطية والدولة المدنية والفكر الديني المعتدل.

لماذا يستعجل الاخوان اذن في "الجنوح" نحو المشاركة ما دام انهم لم يستنفدوا خياراتهم بعد؟ اعتقد ان الاجابة ستكون مفهومة وربما مقبولة، لو كان بمقدور الاسلاميين ان يحققوا "اختراقات" حقيقية وواضحة في مسار الاصلاح في بلادنا سواء وحدهم او بالتوافق مع غيرهم لكن هذا الهدف بعد ان اتضحت معالم "وصفة" الاصلاح المقدمة يبدو بعيدا، وبالتالي فان "الاحتكام" الى الشارع والاستمرار في الرهان عليه كحل وحيد وبالادوات التي استخدمت على مدى الشهور الماضية يبدو ايضا غير مجدٍ ولا مفيد، خاصة اذا ما تمسّك الاسلاميون بخيار "قيادة" الشارع وبقي حراكهم معزولا عن الحراك الشعبي الذي اخذ يتراجع نسبيا في الاطراف والمحافظات.

ما هو الحل اذن؟ اعتقد ان الاسلاميين لم يغلقوا "ابوابهم" امام مبدأ المشاركة ولو عن بعد وبطريقة غير مباشرة في معظم المحاولات التي جرت على هامش "الاصلاح" في لجنة الحوار الوطني –مثلا- شارك الاسلاميون من خلال عضوين احدهما من اتحاد الطلبة في الجامعة الاردنية والآخر رئيس نقابة المهندسين الزراعيين، مع انهم –رسميا- قاطعوا اللجنة، كما انهم ظلوا على اتصال دائم مع رئيس اللجنة الاستاذ المصري ومع رئيس لجنة مشروع قانون الاحزاب وفي الكواليس لم يتردد الاخوان عن التفاوض مع بعض المسؤولين الكبار من خارج الحكومة ولم تنقطع الحوارات معهم وفي حفل تقديم "مشروع التعديلات الدستورية" حضر ممثلان عن الاخوان، بمعنى ان الحضور الاخواني في مشهد الحراك الاصلاحي سواء كان في الشارع او في الغرف المغلقة كان واضحا وهذا ينفي المقولة التي تربط "المشاركة" بالانتحار السياسي، اللهم الا اذا كانت هذه المشاركة تعني "الاندماج" في القرار السياسي وفي صناعته وهذا غير ممكن حاليا نظرا لاعتبارات عديدة منها ان موقع الاخوان –كمعارضة- هو الخيار الطبيعي الان ومنها ان وصفة الاصلاح ما لم يجر عليها ما يلزم من تحسينات لن تقبل شعبيا وبالتالي فان الاخوان لن يغامروا بمباركتها.

لم اتهم الاخوان "بالهدوء" حين فهمت من نبرة خطابهم انهم ميالون اكثر من اي وقت مضى "للمشاركة" والهدوء بالطبع ليس تهمة ولا المشاركة ايضا وما اردته هو ان يدرك المسؤول في بلدنا ان "غياب" الاخوان عن مرحلة الاصلاح مهما كانت الاسباب سيجرح "شرعية" هذه المرحلة وسيعيدنا الى مربع الازمة التي نجتهد في الخروج منها وبالتالي فان تحسين وصفة الاصلاح وممارساته على الارض هو الضمانة لتشجيع الاسلاميين وتحفيزهم على الخروج من الشارع الى طاولة الحوار وهذا الطريق ليس وعرا ولا مستحيلا وانما ضروري وممكن اذا اردنا ان نصنع لأنفسنا "نسخة" اصلاح مختلفة ومأمونة ومقنعة ايضا.