الحرية وبذور عباد الشمس !!

جدار ترمب شغل العالم أكثر من جدار برلین، فھو جدار یرمز لعنصریة الرجل الأبیض، امتد إلى الداخل الأمیركي وتحول إلى ازمة انقسم .حولھا المجتمع الأمیركي بكاملھ ، وكان من نتائجھ الأغلاق الحكومي مشكلة ترمب ثقتھ الزائدة بنفسھ ، خصوصا أن ارادتھ القویة اقحمت نفسھا محل العقل فكان ھذا العناد الذي احدث الفوضى في داخل الولایات المتحدة ، وفي علاقاتھا الخارجیة السیاسیة والاقتصادیة ، وقبل كل شيء انعش ترمب ، بجداره وعناده ، مشاعر الكراھیة في نفوس المحافظین العنصریین، الذین یرفضون الآخر، مع ضرورة التذكیر بأن كل سكان الولایات المتحدة ھم من المھاجرین باستثناء .السكان الأصلیین من بقایا قبائل الھنود الحمر لا اعتقد أن المھاجرین الذین یعبرون الحدود ، ومزقت الاسلاك الشائكة اجسادھم ، جاءوا بحثا عن الحریة والدیمقراطیة في أمیركا ، بل تسللوا للعمل باجور رخیصة لیحصلوا على قوت یومھم ، في حین یذھب الأثریاء من الأمیركیین لشراء القصور والبیوت الفخمة على الشواطئ الدافئة في المكسیك ، واعتقد أن الدول الفقیرة ھي نتاج سیاسات اقتصادیة فرضتھا ومارستھا امیركا والدول الصناعیة الرأسمالیة الكبرى على الدول النامیة والفقیرة بواسطة صندوق النقد والبنك الدولي، بعدما نھبت الدول الاستعماریة القدیمة والجدیدة ثروات ھذه الشعوب، وأغرقت دولھا بالدیون والفساد ، وبالتالي صادرت قراراتھا السیادیة. وكما في الولایات المتحدة كذلك الحال في اوروبا ، الذین یركبون البحر من فقراء افریقیا واسیا ، یغرق بعضم في عتمة البحر ، ویصل من بقي الى البر الاوروبي ، یحملون اجسادھم المتعبة وامعاءھم الخاویة ، واحلامھم بالحصول على حیاة أفضل ، ولكن ینتھي بھم المطاف في معسكرات مغلقة وطریق مسدود ، لأن الفوضى الأقتصادیة السائدة وفوبیا الارھاب اربكت اوروبا ایضا وھي تعاني الیوم من الفوضى الاقتصادیة والتلاعب بالعملات وقرارات ترمب .حول التجارة والصناعة ّ وبمناسبة ذكر اوروبا ، فدولھا لم تقصر في اضطھاد الشعوب في زمن المد الاستعماري حیث نھبت ثروات الدول النامیة البكر الخاضعة للاستعمار أو الانتداب في اسیا وافریقیا ، وعندما انسحبت من ھذه الدول منحتھا استقلالا شكلیا ، وعینّت حكاما یؤمنون بالتبعیة ، بحیث ظلت الأنظمة مرتبطة سیاسیا واقتصادیا بالدول الأجنبیة المستعرة ، اضافة الى اغراق الدول الفقیرة بالدیون ، لذلك ، وفي ظل الوضع الاوروبي الراھن ، لا ارى أن المھاجرین سیحققون احلامھم بالحریة والحیاة الأفضل لأن معظم الدول الاوروبیة تعاني من ازمات .اقتصادیة ومن البطالة ھذا الواقع یذكرني بسیدة یساریة مثقفة اشترت ببغاء ووضعتھ في قفص علقتھ في حدیقة منزلھا ووفرت لھ الطعام والماء ، وعلمتھ تردید .بعض الكلمات مثل "صباح الخیر" وغیرھا من العبارات التي ظل یرددھا استجابة لرغبة صاحبتھ واسترضائھا وفي یوم ربیعي مشمس قررت السیدة اطلاق سراح الببغاء ، لإیمانھا بالحریة على الطریقة الماركسیة ، ففتحت باب القفص وانطلق الببغاء یرفرف بجناحیة في الفضاء الواسع. ولكن في صباح الیوم التالي استیقظت لتسمع الببغاء یصیح لھا " صباح الخیر"، كانت مفاجأة غیر مفھومة ولم تستوعب الحكمة منھا. كان الببغاء فرحا بعودتھ ، یلتھم بقایا بذور عباد الشمس داخل القفص ، فقد تنازل عن حریتھ من اجل ..قوت یومھ ، ولكن ماذا یحدث لو خسر حریتھ وقوتھ معا ؟ ھذه ھي المسألة