الأمناء العامون أفضل من الوزراء..


أكثر من شهرين مضيا على استقالة كل من وزير التربية ووزيرة السياحة، وحين نتحدث عن استقالة وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي، فنحن نتحدث عن وزارتين يديرهما وزير الآن وزير واحد بالوكالة، بالإضافة الى الحقيبة التي يحملها وهي حقيبة وزارة العدل، وبعيدا عن الحديث النمطي بأسئلته الميكانيكية (من سيحمل الحقيبتين؟ وهل ستبقى الوزارتان في عهدة وزير واحد؟..الخ)، نتحدث استقصاء عن مدى تأثر الوزارتين بعدم وجود وزير؟
على الصعيد الاعلامي، اختفت الوزارتان تقريبا من المشهد الإعلامي، الذي كان صاخبا على الدوام ضد الوزارتين وإداراتهما، وعلى الرغم من أن امتحان الدورة الشتوية للثانوية العامة يجري، إلا أن الأخبار حوله شحيحة جدا وغير مثيرة البتة، ولا أزمات بشأن التربية والتعليم ولا «اضرابات معلمين»، ولا تصريحات وإشاعات حول التعليم..فما الذي جرى؟..هل اختفت الأحداث والأخبار المعتادة؟ أم أن الأمور مثالية في الوزارتين؟
هذا ما أعنيه بالعنوان؛ فتجربة عدم وجود وزراء في الوزارتين، أثر إيجابا على الأداء، أقلها؛ لم نعش حملات اعلامية ولا إشاعات ولا قصص طرما ممضوغة آلاف المرات..بمعنى آخر «غاب الصخب»..ومن هنا نحاول أن نفهم ما الذي جرى ولماذا؟.
الأمناء العامون، وحين يكونون على درجة من الخبرة والقوة، والتحلل من العبء السياسي المترنح تحت سوط إعلامي غير مهني، يمكنهم أن يقدموا أداء أفضل، يريح الناس من قضايا وأحداث تأتي زائدة عن كل الحاجات ولا علاقة فعلية تربطها بالأداء، فالأمور تجري في الوزارتين المذكورتين بسلاسة، ولا أقول بمثالية، بل إن النهم الإعلامي السطحي الذي تمارسه الصحافة، من خلال ملاحقة السياسيين في الوزارات هو المشكلة، فهناك بعض من وسائل الاعلام تبحث عن الوزير، وتتصيد أخطاءه، وتفبرك الإشاعة حوله، وتشكك في كل قراراته وتصريحاته، وعلى الجانب الآخر، هناك منهم أيضا سطحيون يسعون الى تلميع السياسيين على حساب الناس وعلى حساب العمل وعلى حساب الحقائق غالبا..وكلها فنون اختفت حين أصبحت الوزارتان بلا وزراء، ووجد الأمناء العامون فسحة كافية للعمل، وهاهو العمل يجري هناك بلا منغصات ولا دسائس ولا أزمات أو اضطرابات واعتصامات أو «اضرابات».
يجب إعفاء الوزراء من كثير من صلاحياتهم الادارية، فهي وعلاوة على أنها تستنزف أوقاتهم، فهي ربما تكون سببا آخر لإبطاء العمل حد الشلل، سيما وأن الوزراء يتهيبون في هذه المرحلة التوقيع على شيء، ويتحاشون الاعلام ولا يتمنون أن يرد ذكرهم في الرأي العام نظرا لتعكر المزاج العام، وميوله نحو السلبية والتشكيك وتقليل الانجازات وتعظيم الأخطاء، ومن خلال ما جرى ويجري «بالصدفة» في وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، وقياسا عليه، يجب تفعيل دور الأمين العام في كل وزارة، ومنحه كل الصلاحيات الادارية، والإبقاء للوزير على دور «إشرافي» بسيط، لأن الوزراء أعضاء الحكومة صاحبة الولاية على الشأن العام.
افسحوا المجال للموظفين «التكنوقراط» ليعملوا بلا «سطوة» من الوزراء، فكثير من الأخطاء والخروج عن القانون وغياب العدالة، دخل من نافذة الوزراء في الوزارات، أحيانا بسبب عدم إلمامهم بالقانون أو بالاجراءات المتبعة في الوزارات، أو اذعانا لضغط نواب وغيرهم من القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديبلوماسية، ولا يلبثون – الوزراء - كثيرا على رأس عملهم، ثم يتم تغييرهم بتأثير القوى المذكورة نفسها، وحتى لو تم التغيير لأسباب أخرى فإن النتيجة دوما واحدة (الوزارات تصاب بالشلل بسبب عدم وجود وزير أو الانتظار حتى يتمكن الوزير الجديد من فهم عمل الوزارة وقوانينها).
الوزير وظيفة سياسية؛ بالكاد يستطيع حضور بعض الاجتماعات الخاصة بالوزارة أو بالقطاع المسؤولة عنه، واجتماعات واستحقاقات الوزارة والدولة مع نظيرات الوزارة من الخارج، وحضور جلسات مجلس النواب والأعيان ولجانهما.. فكيف يمكن للوزير أن يلم بعمل وزارته ويفهم قوانينها ويقوم بواجبه بلا أخطاء أو بلا تعطيل لمصالح الناس واستحقاقات الوزارة والدولة ومؤسساتها العامة والخاصة؟..
يجب تنمية تجربتنا في وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، وتفعيل دور الأمناء العامين في الوزارات ومنحهم الصلاحيات الادارية الكافية، بعد التأكد من قدرتهم فعلا على إدارة شؤون وزاراتهم.
استفيدوا من تجربة الأمناء العامين في وزارة التربية ووزارة التعليم العالي، وعمموها.