ميزانية الأسر الأردنية وإشكالية المصروفات الثالوثية..
لم ينته الأردنيون من تبعات الأعباء المالية للمصايف الروتينية اليومية على مدار العام .. والتي تثقل كاهل رب الأسرة .. حتى أفاقوا على ثالوث كبير يزحف نحوهم.. ليقول لجيوبهم يا باغي الصرف أقبل .. وهو ما يعني بالتبعية دخول الأسر الأردنية في نفق متطلبات ثلاث مناسبات كبيرة تمر في آن واحد .
إن هذه المناسبات التي تدخل على رب الأسرة بوابل من المصاريف سيتكبدها رغماً عنه .. فتوجس الكثير من العائلات خيفةً من أعبائها الاقتصادية .. أمر تداعت له جيوبهم بالسهر والحمى .. ففي الوقت الذي نعيش فيه أيام مباركة من شهر رمضان المبارك .. نتأهب أيضًا لاستقبال عيد الفطر السعيد وكذلك العام الدراسي الجديد .. وما يرافق ذلك من متطلبات .. وبذلك تستعد الأسرة الأردنية لدفع ثلاث فواتير باهظة في آنٍ واحدٍ.. الأولى : فاتورة الموائد الرمضانية.. لتوفير الأمن الغذائي للأسرة وضيوفها.. من لحوم حمراء ..وبيضاء .. وحلويات بمختلف صنوفها ... وفقا لتقاليدنا العريقة إذ اعتاد الناس على تقديم ما لذّ وطاب من الطعام والشراب والحلويات المتنوعة التي ترفع نسبة السكر إلى أعلى مستوياته والثانية فاتورة العيد وما يرافقها من ملابس جديدة و مصروفات وعيديات وما إلى ذلك فيا عيد بأي حال عدت يا عيد ..والثالثة : فاتورة المدارس وتوابعها.. من مصاريف وقرطاسيه وزي مدرسي بمختلف ألوانه وأصنافه.. ومستلزمات دراسية مختلفة لا تنتهي ...
إن تزامن هذه المناسبات لتعتبر إشكالية عائلية حقيقية وإنهاك لميزانية باتت تتضاءل في وجه أزمة اقتصادية أصبحت نؤثر على الجميع .. فوجب على الأسر التحضير لها مسبقاً .. اذ لا نستطيع نكران أن تلك المناسبات تمثل ثلاث مواسم كبيرة .. لكل منها ميزانيته الخاصة التي تثقل كاهل الأسر .. مما يؤدي في أغلب الأحيان إلي تراكم الديون وتقهقر الميزانيات المحدودة للعائلات المتدنية والمتوسطة الدخل .. مما يدفعها في أغلب الأحيان إلى اللجوء إلى عوامل أخرى لتغطية النفقات والحاجيات قد تكون على حساب ميزانيات أخرى.
مما تقدم وبما لا يدع مجالاً للشك دعونا نقول .. أن ذلك يتطلب أن تنفق الأسر الأردنية الكثير .. حتى تتمكن من وجهة نظرها القيام بواجباتها الاجتماعية والتعليمية والعرفية تجاه أبنائها وبناتها وأقاربها ومجتمعها ..
والأمر الذي لا بد من التذكير به ولا يمكن إخفاءه .. أن قدرات العامة من المواطنين ذوي الدخول المحدودة لا تتحمل في مجمل رواتبها أكثر من منتصف الشهر في الأحوال العادية الخالية من المناسبات .. هذا إذا قلنا أننا نبالغ في تقديرنا .. لذلك ندعو الله أن يكون في عون تلك الشريحة الواسعة من مواطنينا التي تعيش تحت الضغط المادي والنفسي والذي يختلف في شدته من شخص لآخر .. وما يشوبه من توترات ترافق حياتنا الاجتماعية . ذلك ما يؤدي إلى تفاقم حجم المسؤولية الجسيمة الواقعة على رب الأسره المحدودة الدخل والتي تحرق الراتب قبل أن يصل إلى جيبه
وكذلك لا يمكن نكران أن هذه الفواتير جاءت في ظل طفرة غير مبررة من ارتفاع في أسعار السلع والمنتجات .. تشهدها حاليًّا الأسواق على مختلف مستوياتها .. وكأنها ضريبة سنوية على المواطن تحملها مع دخول الشهر الفضيل . ومع مواسم الأعياد والمدارس وهي فرصة أيضا لجشع بعض التجار ممن يتحكموا بأسعار بعض السلع إلى أضعاف قيمتها .
من هنا دعونا ندعو مؤسسات المجتمع المدني و أرباب العمل ومن هم في موقع المسؤولية بان العدالة الاجتماعية تقتضي النظر إلي من يعملون تحت إمرتكم وعلى مصالحكم بعين من الرحمة .. وطيب الخاطر .. ففي أموالكم حق للسائل والمحروم .. فليس من العيب أو الحرام أن تكون زيادة أجورهم أو منحهم المكافآت في هذه الأيام الفضيلة مسددة لرمقهم .. لتعمل على ردء احتياجاتهم واحتياجات أسرهم العفيفة وتسعد أيامهم المجبولة بالشقاء .. لتتحسن أوضاعهم المعيشية الصعبة هذه الأيام التي تضغط بقوة على أعصابهم .. فكم يفرحهم دعم مباشر ممن هم أهلا للخير .. فلتكن صدقاتكم مكافآت عمل وجزء من المسؤولية التشاركية التي تقع على عاتق الجميع.. ولنقول أن ثقافة السلوك الخيري يجب أن تكون جزء من ثقافة مجتمعنا في هذه الأيام الفضيلة حيث يتحقق التضامن والتساند والضبط الاجتماعي .. في مجتمعنا العريق بعاداته وتقاليده ونخوته وشهامته..
أما فيما يتعلق بالطقوس الرمضانية الخاصة بمجتمعنا .. والمرتبطة بالقيم الاجتماعية المتوارثة والتي يرى البعض أن هذه المعادلة من الصعب تجاوزها .. معتقدين أنها أزمة مفتعلة حيث شهر رمضان المبارك هو شهر الاقتصاد.. وهو فرصة للادخار وليس الإسراف والتبذير.. فمن المفترض في هذا الشهر الكريم أن تُختزَل وجبات الأكل وتقِلّ المصاريف.. وأن تتخذه الأسر فرصةً " للتحويش" ، وترشيد كل هذه النفقات الباهظة وتوجيهها إلى أعمال الخير والبر.. و بترشيد "العزومات" الرمضانية والتي تلتهم الجزءَ الأكبر من ميزانية الأسرة .. ولكن كيف لنا أن نقنع مواطننا بهذه الثقافة ؟ خاصة أن القادم بأعبائه وبمتطلباته التي لا تعدّ ولا تحصى أكبر .. والمقصود هنا " العيد " وما يتبعه من مصاريف وكذلك " فتوح المدارس ".. كما نردد دائماً ..
من هنا يجب أن نعزز ثقافة جديدة لأسرنا الأردنية تقوم على تنظيم أمورهم بما ينسجم ودخولهم فنحن حقا كأفراد وعائلات ومن ثم كمجتمع بحاجة ماسة إلى ثقافة الترشيد .. فترشيد النفقة فريضة فرضتها الشريعة .. وضرورة من ضروريات الحياة .... واستقرار الأسرة المادي وقدرتها على التنظيم هو دليل واضح على مدى تحكمها لمسألة الفعل والمنطق في تصريف مواردها المالية .
وأخيراً.. دعوني انتهز فرصة كتابتي هذا المقال لأتقدم بالتهنئة الخالصة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وقدوم عيد الفطر السعيد إلى سيدي صاحب الجلالة الهاشمية .. الملك عبد الله الثاني ابن الحسين صاحب الفضل - أبا المكارم – والحكومة الرشيدة والذي عودنا دائما بمكرماته التي لا تنضب .. والتي أدخلت الفرح والبهجة إلى قلوب أبناء شعبه الذي يحب .. انطلاقا من حرصه - حفظه الله - على تلمس احتياجات أبناء الأسرة الأردنية الواحدة .. في مختلف مناحي الحياة .. وتوفير جميع أسباب الراحة والطمأنينة والعيش الكريم لهم ولعائلاتهم .. إذ أبارك لهذا البلد أن رزقها الله ملكا عطوفا محبا لشعبه حريصا عليهم .. فدمت بخير سيدي .. أنت وأفراد أسرتك الكريمة ..وجميع الأمراء والأميرات وكل عام وأنت بخير .