الرزاز والإصلاح السياسي
الاطروحة التي قدمها الرئيس للاصلاح السياسي مثيرة وجريئة وواعدة لكنها مجتزأة وضبابية تفتقر إلى الدعم والاسناد الضروريين لتحويلها من دعوة إلى برنامج اصلاحي. الحديث المبكر للرئيس عن العقد الاجتماعي تلاشى من الادبيات السياسية للحكومة وترحيبه الدائم بالحراك واستعداده للحوار مع الحراكيين لا يعدو مبادرة فردية. ما يقوله الرئيس في اللقاءات المتنوعة يعكس طريقة ومنهجا واسلوبا مختلفا في التعاطي مع القضايا أكثر مما يمثل تحولا في مواقف الدولة ومؤسساتها من القوى والجماعات والأحزاب التي تحاول تقديم تصورات مغايرة لإدارة وتسيير الشؤون العامة.
في لقاءات سابقة مع وسائل الإعلام تحدث الرئيس بثقة كبيرة عن نية الحكومة تسريع الخطى نحو الحكومات البرلمانية لترى النور خلال عامين، حيث أشار إلى تطوير الحياة الحزبية وإعادة النظر في قانون الانتخاب وتطوير اللامركزية لإزالة بعض القيود والمحاذير التي حدت من سلطات مجالسها. هذه الأفكار مقرونة بالعقد الاجتماعي والانفتاح على الشباب والحوار الوطني كانت مرتكزات رؤية الحكومة للاصلاح السياسي في الأشهر الأولى لتشكيلها.
في بعض الجوانب حققت الحكومة شيئا من النجاح إلا أن ذلك لم يخرجها من دائرة الاختبار. فتصريحات الرئيس المتعلقة باصلاح الدولة لإكسابها المنعة والقوة والتذكير الدائم بمبدأ أن لا أحد فوق القانون، واستثمار مناسبات متعددة للحديث عن كسر ظهر الفساد لم تمنع أو تردع رهطا من العاملين في إحدى الجامعات طرد رئيسهم ولم تمنع شباب احدى العائلات المعروفة من مهاجمة رجل الأمن الذي حاول مخالفة موكبهم كما أنها لم تصل لسائقي حافلات الكوستر الذين لا يترددون في إيقاف حركة المرور في الشوارع الرئيسة لالتقاط أو انزال راكب أيا كان المسرب الذي يتخذونه.
في الأردن لا يوجد خلاف على وجود حاجة لتغيير العلاقة بين الدولة والمواطن فالجميع يبدون انزعاجهم من نوعية العلاقة القائمة و يقرون بضعف أو انعدام الثقة ويدعون إلى ترميم واصلاح هذه العلاقة. في كافة الأوساط والمواقع وبين كافة القطاعات والطبقات وحيثما يكون التفكير المستقل هناك دعوات للاصلاح.
الخلاف بين الرسميين والأهالي ليس في التشخيص للخلل ولا في التوصيف للواقع بل في تقدير حجم الخلل والأسباب المؤدية له والجهات المسؤولة عنه والطريقة الأنسب للخروج من الوضع القائم والسرعة المطلوبة لمغادرة مربع الازمات وبأي اتجاه.. حول هذه البنود وغيرها يوجد خلافات واسعة بين الاطراف كما تقابل المقترحات التي يتقدم بها كل طرف بالرفض والانتقاد فهي احادية الوجهة ولا تأخذ بعين الاعتبار مواقف واتجاهات ورؤى الاطراف الاخرى.
بعض الخلافات تعود إلى تباين الافتراضات والجدل حول ما هو وطني وغير وطني وما هو ممكن وغير ممكن في حين يعود جزء كبير منها إلى تباين التقديرات لحجم ما يحتاج إلى تغيير وبأي اتجاه. الكثير من القوى الشعبية ترى أن الاصلاح أولوية لا تحتمل التأجيل والمماطلة في حين يرى بعض أركان الدولة ضرورة التريث لتجنيب البلاد القفز في الظلام على حد تعبير بعضهم.
في مجال المشاركة السياسية تعتقد بعض المؤسسات والمراكز أن الدولة ومؤسساتها وفرت كافة الفرص للمواطن للترشح والاختيار والادلاء بصوته لاختيار من يمثله في المجالس النيابية والبلدية واللامركزية في حين لا يزال البعض يشكك في قدرة المجالس على التعبير عن إرادة الناخبين ويشير إلى مستوى التناقض بين الخطاب السياسي الإعلامي للنواب والمواقف التي يتخذونها عند التصويت على البيانات والخطط والتشريعات التي تعرضها الحكومة، أو السلطات المحلية.
الاصلاح السياسي عملية غير مكلفة ماليا فهي لا تحتاج لتمويل أو اقتراض بل الى نوايا صادقة لإحداث تغيير يطلق طاقة الأفراد، ويمنحهم الفرص في التعبير والمشاركة وتحمل المسؤولية دون وصاية أو محاذير في الاصلاح السياسي تحصين للدولة وتقوية للمؤسسات وحد من الفساد والشللية والابتزاز الذي تواجهه الدول التي تأخرت في عملية الاصلاح.
الدولة القوية تحترم حقوق وكرامة الافراد وتحمي حرية النشاط وتتيح للجميع الاستمتاع بحياة كريمة في ظل القانون. الاعلان المستمر عن نية الاصلاح والتأخر في تحقيقه لا يخدم مسيرة الدولة ولا يحقق الثقة الضرورية لبناء المواطنة الفاعلة التي يتطلع لها الجميع.