علي السنيد يكتب :صلاة برفقة مدير المخابرات العامة
حضرتني الصلاة في مسجد المدينة الطبية، وأثناء دخول بعض المصلين صحن المسجد، واصطفافهم على البوابة الرئيسة لفت انتباهي وجود مدير المخابرات العامة اللواء محمد الرقاد واقفا بينهم ينتظر دوره في الدخول، ولم يحاول طاقم حراسته دفع الناس، أو إفساح المجال له للدخول، أو القيام بأي حركة للفت الانتباه.
دلف الرجل المسجد، واختار المكان الخالي الأول الذي يقابله، وشرع بالصلاة، ولم يتعمد الوصول إلى الصف الأول، ولولا وجود بعض العناصر الأمنية المرافقة له لما علم احد بوجوده.
وهذا المشهد الذي ينم عن التواضع لأحد ابرز رجالات السلطة الأمنية استوقفني، وهو تجسيد حي لمعظم رجالات السلطة في الأردن في هذا الجانب، وصولا إلى الملوك الذين تداولوا عرش المملكة وضربوا أروع الأمثلة في التواضع والبعد عن ظلم الناس وامتهانهم، وكانوا قمم أخلاقية رفيعة حتى من وجهة نظر من اختلفوا معهم سياسيا، فضلا عن أمراء العائلة المالكة الذين عاشوا بين الناس، وخدموا في الجيش، وكأنهم أفراد عاديين، وسلوكهم الاجتماعي جعلهم يحظون بمحبة الشعب، واحترامه.
المصلون إلى حيث الصف الأول المكان اللائق بصلاتهم، ويدخلون بهيبتهم، ولا يكادون يتوقعون أن الناس لا تفسح لهم المجلس، وتفتح الطريق ليخترقوا الصفوف إلى المقدمة التي تنتظرهم.
وهي حقيقة يجب ألا تغيب في زحمة هذا التشويه المتعمد الذي يتعرض لمسيرة البلد السياسية في غمرة هذه المرحلة المتأثرة بالثورات العربية، والتي يصار فيها إلى خلق دكتاتورية عنيفة باسم الرأي العام، تلك الحقيقة التي يجب ألا تغيب أن السلطة عندنا في الأردن ليست استبدادية، ولم تقم على نهر من الدماء، وان المقاصل لم تنتصب لأصحاب الرأي، وليس هنالك فوقية للسلطة، ، وما غاب حكم القانون عن الأردن طوال العقود الماضية، - مع الاعتراف بوجود خلل في التطبيقات أحيانا- وقد أقيمت هياكل النظام السياسي الديمقراطي منذ بواكير انطلاقة الدولة التي كانت حاضنة للعرب الفارين من الاضطهاد والحروب، والباحثين عن الأمن، والكرامة، والعيش الكريم، وان محاولة شيطنة السلطة لن تجد قبولا لدى الشارع، وهو الذي تحركه دوافع معيشية بحتة، وليس اعتراضه لأسباب تتعلق بدكتاتورية السلطة، أو التعسف الذي تجده الناس أمام المؤسسات، أو بالجور والظلم، وانتهاك الحريات العامة، أو التعرض إلى كرامات الناس ، وتحقيرهم كما هو حاصل في تلك الدول التي انطلق الربيع العربي لتصويب أوضاعها.
وهذا التجييش الأعمى ، والاتهام بالباطل، وتشويه صورة المؤسسات، والوطن لن يمعنا من قول كلمة الحق في مواجهة هذه الدكتاتورية الحزبية المتنامية، أو السكوت حتى تهيمن وجهة نظر واحدة على الشارع مردها لنوع من المعارضة الوادعة تاريخيا، والتي ليس لها من رصيد نضالي يذكر، وكانت حتى وقت قريب تغفو في أحضان الحكومات، وقد وجدت الفرصة مواتية لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها، ولو على حساب تغيير هوية البلد السياسية، وإدخالها في مغامرة ستؤدي لانهيار الدولة، ومفهوم السلطة فيها، وليس لتغييرات سياسية كما يقال، وبمباركة الأجنبي الصهيوني والامريكي، ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد لفت انتباهي أن احد قادة هذه المرحلة الشعبيين ينفي في محاضرة له وجود تدخل أجنبي في الربيع العربي، ويدعي أن ذلك مجرد أكاذيب، وكأن العرب جميعا لا يرون قصف الناتو المتواصل لليبيا دعما للثوار هناك. وان الشاهد في الوضع العربي يترأى يوميا على مقربة من أكثر من بلد عربي.
ولأن صحت أسباب الثورات العربية التي جاءت احتجاجا على دموية السلطة وعنفها في غالبية الدول العربية، فهي غير واردة في الأردن، حيث لا يقول منصف بوجود استبداد في استخدام السلطة فيه، أو أن أرواح الناس في خطر جرائها، أو تتجسد في ممارسات غير سوية على شاكلة ما كان يتداول في الدول التي حكمتها عوائل بعض أمناء الأحزاب باسم الحرية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية، فقوضت حياة مواطنيها، وانكفأت بالحريات، وغامرت بحياة وحقوق الملايين، وأدخلت بلدانها بالحروب المدمرة، وألغت إنسانية الإنسان، وحقوقه المشروعة ، وبددت الثروات التي تزخر بها بواطن أرضيها.
غير أن الأردنيين يضغطهم واقعهم المعيشي، وهذه حقيقة لا يمكن الهروب منها، وهنالك متطلبات عيش قاس، ولو جرى منذ أشهر رفع الرواتب بشكل مجز، أو أن يصار في هذا الشهر الكريم إلى تقديم راتب شهر إضافي لتخفيف أعباء الناس فيه لجرى امتصاص حركة الشارع، ووجدت بعض القوى الحزبية التي تواصل فعالياتها الأسبوعية وحيدة في الشارع، ولعلها تدرك حينها أن الشعب يريد حماية الأردن ، وعدم اللعب بأمنه واستقراره.