أوله شعبية وآخره مديونية!
إيصال الدعم إلى المستحقين شـعار جميل ولكنه غير قابل للتطبيـق إلا في حالات قياس الاستهلاك كما في الكهرباء والمياه ، حيث يمكن تخفيض التعرفة على المقطوعية الصغيرة التي يستهلكها محدودو الدخل ، على أن يتحمل معظم المواطنين الكلفة الحقيقيـة لما يستهلكون بشكل تصاعدي.
فيما عدا ذلك فإن الأسلوب العملي لدعم الفئات الفقيرة يكون بالدفـع نقداً عن طريق صندوق المعونة الوطنية أو صنـدوق مماثل ، الأمر الذي لا يؤدي إلى أي اختلال أو سوء استعمال إلا في أضيق الحدود.
وزير المالية تحـدى أعضاء لجنة الحوار الاقتصادي أن يأتوا بأسلوب محـدد لإيصال الدعم إلى المستحقين بدلاً من إطلاق هذا الشـعار وكأنه هو الحل.
سـنرى ما إذا كانت اللجنة سـتحقق المعجزة وتضع بيـن يدي الوزير خطة محكمة لإيصال الدعم إلى المستحقين ، قابلـة للتطبيق ، وخالية من الثغرات ، وتوفر على الخزينة مئات الملايين من الدنانير.
تفترض الحكومة أنها مكلفـة بدعم أسعار بعض السلع الأساسية باستخدام المال العام ، ولو كان الدعم ممولاً بالقروض المحلية والخارجية ، وهذا ليس صحيحاً ، فليس في الدستور أو القوانين ما يلـزم الحكومة بأكثر من تحقيق العدالة في المعاملات ومنع الاحتكـار والاستغلال في السوق.
الدعم الاستهلاكي لا يتقرر لأسـباب اقتصادية أو اجتماعية فقط ، بل لأسباب سياسية أيضاً ، ويمكن اعتباره بمثابة رشوة لكسب الشعبية ، وليس أدل على ذلك من أن الحكومات تتحدث عن الدعم وتكاليفه ولا تقول شـيئاً عن توسع العجز وارتفاع المديونية ، وهما الوجه الآخـر للدعم دون أن تتوفر الموارد.
تعرف الحكومة أن ارتفاع الأسعار (الغلاء) يمكن استغلاله لتحريض المواطنين على الاحتجاج والتظاهر ضد الحكومة ، ولكن أحـداً لن يحرك الجماهير للاحتجـاج على عجز الموازنة وارتفاع المديونيـة ، فهذا الموضوع متروك للمعلقين الاقتصاديين المتهمين بالعيش في أبراج عاجية مع أن الكل يعلم أن الدعـم ممول بالدين وهذا أخطر من الغـلاء.
قبل 15 عاماً طبقت إحدى الحكومات استبدال الدعم الشامل للخبز بالدفع نقداً للمستحقين ودفعت الثمـن من شـعبيتها ، فجاءت بعدهـا حكومة شطبت التجربة وخفضت السـعر الذي كان قد استوعبه السوق ، واستحقت التصفيق.
سياسـة الدعـم مثل المخدرات ، يسهل الدخـول فيها ، ويصعب الخـروج منها.