افطار الداخلية : يأكلون على مائدة الحكومة وينتقدونها
أحد المسؤولين سألني مازحاً: كيف «تأكلون» على مائدة «الحكومة» وانتم تكتبون ضدها كل يوم، رئيس الحكومة أجاب قبل أن يسمع السؤال: هذه طبيعة الاردنيين، يختلفون الى أبعد حد ولكنهم لا يضمرون لبعضهم أية أحقاد أو كراهية، يتجادلون على المصلحة العامة، ولكنهم يتصافحون ويتناسون خلافاتهم السياسية عندما يلتقون في أية مناسبة.
أعتقد أن وزير الداخلية كان سعيداً بالمشهد، فبعد التصريحات النارية التي أطلقها ضد «المعتصمين» في ساحة النخيل، ها هو يكتشف الآن بأن «طينة» الاردنيين - مهما اختلفت مواقفهم السياسية - واحدة، لا فرق بين من يتربع على كرسي المسؤولية ويحسب حساباتها المعقدة، وبين من يجلس على «قارعة» المعارضة ويمارس واجباته الوطنية وقد لا يرى الا الجزء الفارغ من الكأس، المهم أن الطرفين يضبطان مواعيد حراكهما على ساعة «المصلحة العامة» حيث يراها كل طرف تدور في اتجاه ما ، وحين يتصور أحدهما أنها «توقفت» يدب الصوت، وقد يتعكر مزاجه ويحتد، لكنه غالباً ما يستعيد هدوءه فيصبح معتدل المزاج.
بالمناسبة، مزاج «الحكومة» كان أمس معتدلاً جداً، ربما كانت الاخبار السارة التي «استقبلتها» الاسبوع الفائت بعد التعديلات الدستورية وعودة شاهين هي السبب، ربما تكون - ايضا - التسريبات التي سمعناها حول «تغييرات» بعض المواقع العليا تجعلها تشعر «بالاطمئنان» أكثر في المرحلة القادمة، لكن المهم هو مزاج الاردنيين، هل هو على ما يرام؟ لا أدري، ولكنني كنت اتمنى أن يكون من بين عشرات المدعوين الى «افطار» الداخلية ممثلون عن «الشباب» الذين خرجوا في محافظاتنا البعيدة للمطالبة بالاصلاح، ما الذي يمنع أن «تحتضن» الداخلية هؤلاء، وأن تتحاور معهم أو ان يكون بينها وبينهم «اكل وعيش» كما يقولون.
ما الذي يمنع ايضا شاشتنا الوطنية من «نقل» هذا المشهد، انه - بالتأكيد - يعبر عن حقائق قد لا تستطيع عشرات الندوات والمحاضرات ان توصلها للناس، وهذه الحقائق وان كانت اختفت في الشهور الماضية الا انها - ممن لا يعرف - تشكل «ثوابت» بالنسبة للاردنيين، هؤلاء الذين يتصور البعض ان التعامل معهم «بالاقصاء» والحذف أو «بالعين الحمراء» جزء من «الشطارة» السياسية!
يمكن لمائدة افطار «الداخلية» ان تكون «بروفة» لمائدة حوار وطني حول الاصلاح، ويمكن للحكومة ان تكون «بروفة» لمائدة حوار وطني حول الاصلاح، ويمكن للحكومة ان تستنسخ هذا المشهد الذي «اعجب» رئيسها لتصنع مشهداً مشابهاً، يجلس فيه الاردنيون - على اختلاف اطيافهم - على طاولة وطنية تنتهي الى مصالحات حقيقية.
مهم ان يبعث وزير الداخلية عبر الافطار ما يريد من رسائل، وان كانت صامتة، لمن يعنيهم الأمر في مجتمعنا، لكن المهم - ايضا - أن يكون قد سمع رسائل «المدعوين» حتى وان كانت صامتة ايضاً، فالمرحلة القادمة تحتاج الى «لواقط» مفتوحة من كل الاطراف، لكي تصل الذبذبات الى آذان الجميع.. ولكي «يقتنع» الشباب الذين لم يحضروا «مآدب» الافطار بأنهم مدعوون الى مآدب الاصلاح.. وهذا ما يهمهم.. ويهمنا أيضاً.