ظاهرة بدأت ملامحها بالظهور!


فجأة ومع تقاطر السيارات المتواضعة اعطت المستورة (...) وهي تقود سيارتها من على اقصى اليسار اعطت غمازها اليمين, بدأت زوامير السيارات تنطلق من جميع الجهات حتى انني ظننتُ انها فاردة عرس كبير منطلقة او فوز فريق كرة قدم ناشئ بضربات الترجيح,..في نهاية المشهد وبعد جهد كبير ومجازفات خطيرة اصّطفت المستورة(...) بجانب احد اكشاك بيع القهوة, قهوة الشوارع ونزلت منفعلة تضرب الارض بقدميها غضبا على الضجة التي حدثت لها, واشترت كوب قهوة يعلوه سحابة ضباب متراقصة, مكتوب على الكوب الكرتوني من الخارج بعد ان سرقتُ النظر عليه وانا اقود سيارتي مرورا من جانبها وهي عائدة الى سيارتها, مكتوب عليه (تذوق القهوة العربية), كيف لا وقد اذاقت هذه المستورة(...) سائقو عشرات السيارات التي توقفت او تباطأت وانا منهم مرارة هذه القهوة العربية الاصيلة, نعم مشهد مُقتطع دون تصوير من على احد شوارع مدينة تقع على احد اطراف العاصمة عمان, ولفتاة محتشمة اللباس عصبية المزاج من فتياتنا الاردنيات.
بدأت قهوة الاكشاك تنتشر على الشوارع والطرقات والازقة الملتوية بشكل كبير وملفت للنظر, واعتقد هنا ان (مقاهي) ايام زمان العريقة بضبابها الهارب من النوافذ الكالحة, وبلكوناتها المستديرة المطّلة على خُطى المشاة, وبقهوتها العربية العاشقة ذات العيون السود, والتي كانت تعد على اصابع اليد الواحدة في مدن المملكة تلك المقاهي التي كان يجلس فيها باحترام المسافرين والقادمين من القرى الى المدينة والشعراء والكتاب وعشاق الشاي العجمي, والهاربين من اعمال البيوت, وغيرهم.. اعتقد انها قد انشطرت هذه المقاهي كالقنبلة الهدروجينية بفعل تخصيب اليورانيوم الى (اكشاك) صغيرة على شكل اوكار على امتداد الشوارع والطرق والدخلات والازقة الملتوية لبيع القهوة العربية الاصيلة, وما ادراكم ما القهوة العربية الاصيلة.
كنا صغارا وشبابا حين نجلس بين آباءنا واجدادنا رحمهم الله لخدمتهم والاستماع لاحاديثهم الدافئة وهم يضعون (الدلال) و(بكارج) القهوة في مجالسهم الصادقة, كنا وقتها شبه ممنوعين من شرب القهوة ظنا منهم ان القهوة للكبار فقط , ولم اجد وقتها تفسيرا اكثر من خوفهم على نفاذها, وكانت الفتيات الصغار تُمنع احيانا من شرب القهوة السادة ظنا منهم ان القهوة تعمل على زيادة سمرة الفتاة لاحقا, والذي ربما يحول دون مجيء شريك حياتها او تأخره,..اليوم انقلبت الآية تماما, فالكبار عليهم شيء من محاذير شرب القهوة طبّيا, علما ان اصحاب الاختصاص لم يحسموا موقفهم بعد من الضرر او عدمه على كبار السن, والشباب معظم الشباب يصّطفون طوابير على اكشاك بيع القهوة العربية الاصيلة! حتى ان مصانع صنع كاسات الكرتون تعمل ليل نهار لسد حاجات السوق المحلية, وان بيع او خلوّ هذه الاكشاك اصبح بالعلالي, وابعد من ذلك فان نظرية (القهوة تجر الدخان) مُثبتة لدى الشباب.
ولا عجبا ان قلنا ان هناك ظاهرة بدأت ملامحها بالظهور, تتمثل بميلان الفتيات على اكشاك القهوة العربية الاصيلة! وقد تنبأ لهذه الظاهرة الكاتب والشاعر (سامي الصيداوي) حين كتب قصيدته الغنائية (ميّل يا غزيّل) والتي غرّدت بها المطربة (نجاح سلام) قبل عقدين من الزمن لتشدو قائلة ( ميّل يا غزيّل, يا غزيّل مّيل, ميّلك ميّوله, قيلك ايّوله, نسقيك فنجان قهوة,..), نعم ظاهرة احتساء القهوة من على خلف مقود السيارة وعلى الشوارع والطرقات ذهابا للعمل وايابا منه او عند الخروج للتنزه او للتسوق قد بدأت بالظهور لدى بعض اقول بعض الفتيات للأسف الشديد في مجتمعنا الذي بدأ يتفكفك تدريجيا, كيف لا وقد سبقها ظواهر اخطر من ذلك عند الفتيات, تتمثل بـــ(السرقة) والتحرش والاغتصاب والقتل على الترتيب عند الجنس الناعم, واقول هنا واجريّ على الله, ما عاد هذا الجنس ناعما يا معشر الشباب,..فانتم الانعم و(الجندرة) تطاردكم اينما كنتم.