تدمير الذاكرة الفلسطينية


في دراسة متميزة بعنوان «المحو والانشاء في المشروع الصهيوني» نشرتها مجلة الدراسات الفلسطينية خريف 2013، تستعرض هنيدة غانم تفاصيل الجريمة البشعة التي ارتكبتها ويرتكبها العدو الصهيوني ، لتدمير الذاكرة الفلسطينية، واغتيال الزمن الفلسطيني..
في محاولة يائسة، لتمرير الرواية الصهيونية القائمة على التزييف والتزوير والتضليل.
ومن هنا..
«فالقوات الصهيونية كانت تقوم عادة في حرب 1948، وبعد طرد السكان العرب من قراهم وبيوتهم، بهدم البيوت وتسويتها بالارض، ثم محو أسماء القرى من على الخرائط ومن السجلات، وهكذا عمليا تم تدمير مئات القرى الفلسطينية تدميرا كاملا، وجرى تفريغ خمس مدن هي: صفد وبيسان وطبرية وبئر السبع والمجدل من سكانها العرب بشكل تام، وهو المصير الذي واجهته الاحياء الغنية في القدس مثل القطمون والبقعة والطالبية، حيث طرد سكانها، وحل محلهم مهاجرون يهود، كما اجلي السواد الاعظم من السكان الفلسطينيين من خمس مدن أخرى هي: يافا وحيفا وعكا والرملة، ولم ينج من الدمار والترحيل الا مدينة الناصرة، وذك باوامر من ابن غوريون تهدف الى تجنب اغضاب الفاتيكان والعالم المسيحي « ص110.
ولم يكتف العدو الصهيوني بطرد السكان، وهدم القرى، بل قام أيضا بمحو اسمائها من السجلات الرسمية،واستبدالها في حال اقامة مستعمرات على انقاضها، باسماء عبرية وتوراتية، بينما كانت عملية الهدم تستهدف قطع الطريق امام عودة اللاجئين، فان عملية محو الاسماء من السجلات الرسمية والخرائط، ووضع اسماء عبرية ويهودية للمكان، كانت اداة لاستعمار الزمن بحيث يتم ابادة الزمن الفلسطيني من سيرة المكان بعد تدميره.
وفي هذا يقول ابن غوريون مفسرا أو بالاحرى مبررا عملية شطب الاسماء العربية :
« اننا مضطرون الى ازالة الاسماء العربية، لاسباب تتعلق بالدولة، وتماما مثلما لا نعترف بحق الملكية السياسية للعرب في الارض، لا نعترف أيضا بحقهم في الملكية الروحية وباسمائهم»ص120.
وتشير الباحثة الى دراسة قام بها الجغرافي الفلسطيني، غازي فلاح لمواقع «418» قرية فلسطينية، تم تهجير سكانها خلال النكبة، حيث وجد أن اكثر من ثلثي هذه القرى قد تم محو أي أثر لها بالكامل، وكان من جملتها «80» قرية، قلبت ارضها وحرثت، بعد أن جرى تدميرها، ثم زرعت أشجارا، أو تم حفر برك لتربية ألاسماك فيها، وفي مقابل القرى التي دمرت، ويزيد عددها عن «400» قرية، فقد أقيم كثر من الف مستعمرة صهيونية حتى عام 2013 ،داخل الخط الاخضر « ص120
وفي هذا يقول موشيه دايان وزير حرب العدو واشهر جنرالاته :
« لقد حلت القرى اليهودية مكان القرى العربية، وليس في استطاعتكم اليوم أن تعرفوا حتى أسماء تلك القرى العربية، وانا لا الومكم، قكتب الجغرافيا لم يعد لها وجود، بل القرى العربية ذاتها لم يعد لها وجود، لقد حلت «نهلال» محل «معلول» وحلت «جبعات» محل «جبع» وحلت « سريد محل «خنفيس» وكفار يهوشواع» مكان «تل الشام» « ص121
لقد وقف الشعب الفلسطيني على ابعاد واهداف الجريمة الصهيونية مبكرا،، فحرص على الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية، وغرسها في الاجيال جيلا بعد جيل، باعتبارها مكونا رئيسا من مكونات معركتة المصيريه مع العدو الصهيوني.
ومن هنا..
فاي طفل فلسطيني تلقاه، وفي أي مخيم من مخيمات الشتات الستين، وتسأله عن اسم قريته فيجيب على الفور وبدون تلكؤ..أنا من الطيرة، أو من المجدل، او من شحمة، او من المسمية..الخ..
كما حرص الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئين في المخيمات وفي المنافي على وضع خارطة لفلسطين في البيوت والمكاتب والمدارس..الخ.. تشمل اسماء كافة المدن والقرى لتستقر في وعي ابنائه واحفاده جيلا بعد جيل..
فالكبار لم ينسوا، وها هم الصغار يحفظون الامانة ويعدون العدة ليوم الثأر والعودة.
وهو آتٍ لا محالة طال الزمن ام قصر.