أكبر شركة لإدارة الأصول بالعالم ترسم ملامح الأسواق في 2019

اخبار البلد

 

تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، تراجع أرباح الشركات الأمريكية، توقف الاحتياطي الفيدرالي عن رفع معدل الفائدة، جميعها أهم ملامح النظرة المستقبلية التي ترسمها أكبر شركة لإدارة أصول حول العالم.

وبحسب الرؤية المستقبلية لشركة "بلاك روك" عن عام 2019، فإن المخاوف من قرب الانكماش الاقتصادي والاحتكاكات التجارية مع معركة بين الولايات المتحدة والصين للتفوق في قطاع التكنولوجيا كانت أبرز المخاطر المحتملة.

وأبدى كذلك التقرير والذي يمثل خلاصة نقاشات نحو 100 مستثمر، قلقاً من المخاطر السياسية الأوروبية على المدى المتوسط وبشكل خاص في الدول ذات الاقتصادات الناشئة مع الإشارة لاحتمالية لجوء الصين إلى تيسير سياستها النقدية من أجل المحافظة على استقرار اقتصادها.

عناوين أساسية مرتقبة

ويتوقع التقرير أن يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤاً في النمو خلال العام المقبل إلى جانب أنه من المحتمل رؤية اقتصاد الولايات المتحدة يسير في مرحلة متأخرة من دورته.

ومن المتوقع وتيرة أبطأ من النمو في اقتصاد الولايات المتحدة ومنطقة اليورو خلال الإثنى عشرة شهراً المقبلة لكنه سيرتفع نسبياً في اليابان.

ويتوقع أن يستقر النمو الاقتصادي الأمريكي عند مستويات أعلى من نظرائه في الدول الأخرى، حتى بالرغم من تلاشي تأثير التحفيز المالي والذي سيضغ ضغوطاً على مستويات النمو مقارنة بنفس الفترة من العام السابق له.

وبالنسبة للوضع الاقتصادي في الصين، فمن المتوقع أن يكون تباطؤ النمو معتدلاً وهو ما يرجع إلى أن البلاد تبدو أنها تركز بشكل كثيف على دعم اقتصادها عبر التحفيز المالي والنقدي.

كما من المقرر أن يشهد تباطأ نمو أرباح الشركات العالمية في عام 2019، مع حقيقة أن التباطؤ في الولايات المتحدة سيعكس عقبة أكبر مقارنة مع 2018، حيث أعطت التخفيضات الضريبية دفعة قوية لأرباح الشركات.

ويرى التقرير أن نمو أرباح الشركات الأمريكية سوف يتباطأ من 24% في عام 2018 إلى 9% بالعام المقبل بحسب التقديرات المتاحة في بيانات "طومسون رويترز".

وتوضح أكبر شركة لإدارة الأصول بالعالم أن الشركات بالأسواق الناشئة تستعد للحفاظ على وتيرة نمو بالأرباح بأكثر من 10% بقيادة الصين على خلفية تعافي قطاعها التكنولوجي.

ويوضح التقرير أن تباطؤ النمو الاقتصادي وأثر التعريفات الجمركية يضفي على الآفاق المستقبلية للشركات رؤية أكثر حذراً، إلا أن الولايات المتحدة والأسواق الناشئة تظل مناطق مفضلة.

قرب الحيادية.. تصف "بلاك روك" الأوضاع المالية الأمريكية بأنها لا تزال فضفاضة نسبياً لكنها آخذة في التشديد.

وتعتبر الأوضاع المالية أمراً رئيسياً لتوقعات النمو الاقتصادي على المدى القريب لكنها صعبة القياس، حيث يمكن أن تعطي المؤشرات العامة والتي تشمل معدلات الفائدة وتقلبات السوق وتقييمات الأصول نتائج مضللة.

وبحسب مقياس "بلاك روك" للأوضاع المالية فإنها تشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في عام 2019 بالتزامن مع مزيد من تشديد السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي.

وترى الشركة أن وتيرة التشديد المالي والذي يدفع عوائد السندات لأعلى وبالتالي أسعار الأصول للهبوط سوف تتراجع في عام 2019.

ويفسر ذلك بأن معدلات الفائدة الأمريكية في طريقها إلى المستوى المحايد وهو النطاق الذي لا تحفز فيه السياسة النقدية النمو الاقتصادي ولا تقيده.

ومن المرجح كذلك أن يتبع البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان خطوات أقل حدة نحو تطبيع السياسة النقدية، مع استبعاد زيادة معدل الفائدة في منطقة اليورو قبل نهاية فترة ولاية ماريو دراجي.

وعلى صعيد الموازنة بين المخاطرة والعائد، فإن زيادة حالة عدم اليقين (في المقام الأول حول التوترات التجارية المتصاعدة) تسببت في خسائر لأسواق الأسهم في 2018 لتفشل الأساسات القوية للاقتصاد في تفادي هذا الهبوط كما تشير للحاجة إلى الأصول ذات الجودة في المحافظ الاستثمارية لكن مع تمتعها بالقدرة على الصعود في حال قلق السوق بشأن تراجع التجارة في عام 2019.

ويحتمل أن نرى حالة متزايدة من عدم اليقين إلى جانب تشديد الأوضاع المالية، ما يفسر العلاقة الإيجابية بين الأسهم وعوائد السندات في عام 2018، كما تبدو هذه المخاطر أكثر تسعيراً في الأصول الآن.

ويعني ذلك أن السندات ذات الفئة الاستثمارية القوية يفترض أن تكون أكثر فاعلية لاستيعاب الصدمات في العام المقبل، بالإضافة إلى امتلاك بعض الأصول الخطرة التي تقدم عائداً مميزاً مقارنة بدرجة الخطر.

مخاطر محتملة

يتمثل الخطر الأول في زيادة مخاوف الركود الاقتصادي والتي تشكل خطراً رئيسياً للأسواق في عام 2019.

ويشير التقرير إلى أن احتمالية الركود الاقتصادي بالولايات المتحدة في الفترة المقبلة لا تزال منخفضة نسبياً مع وجود بعض الإشارات أن الدورة الاقتصادية الحالية لا يزال أمامها مجالاً للاستمرار في عام 2019.

لكن تتجه احتمالات تعرض الاقتصاد الأمريكي للركود للارتفاع بشكل مطرد بعد ذلك لتصل لأكثر من 50% بحلول عام 2021.

وحتى الآن لا تزال هناك إشارات تحذيرية قليلة، حيث تبدو تقييمات الأصول بالأسواق العامة معقولة في الغالب كما أن التمويل الأسري في وضع جيد ولا تزال مستويات ديون الشركات قابلة للإدارة بشكل عام.

ويعتبر ارتفاع المخاوف من حدوث ركود اقتصادي خطر رئيسي للأسواق في عام 2019.

وأجرى فريق "بلاك روك" تجربة بسيطة عبر النظر في أداء أصول مختلفة خلال الأوقات التي سبقت الركود الاقتصادي الأمريكي على مدى الأربعين عاماً الماضية.

وتوصلت هذه التجربة إلى أن الأسهم يمكنها أن تؤدي بشكل جيد في وقت متأخر من الدورة الاقتصادية، كما أن سندات الخزانة الأمريكية تجذب الكثير من المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن.

وتعتبر الأوضاع الجيوسياسية الآخذة في التغيير بمثابة ثاني المخاطر المحتملة بالعام المقبل، فبالرغم من عدم وجود مخاطر سياسية أوروبية ملحة في المنطقة إلا أن المستثمرون يستخفون بالتهديدات على المدى المتوسط.

وألمح التقرير إلى أن عجز موازنة إيطاليا يحفز معركة مستمرة مع بروكسل ما يعني مزيداً من الضغوط على السندات الإيطالية وغيرها من الأصول الحساسة للمخاطر السياسية الأوروبية في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي عبر أنحاء منطقة اليورو.

وترى "بلاك روك" أن هناك احتمالات ضعيفة لتنفيذ البريكست بدون صفقة في مارس المقبل، لكنها تتوقع طريقاً صعباً في الفترة المقبلة.

وتشكل النزاعات التجارية مصدراً ثالثاً للمخاطر، وسط احتمالات بأن يمدد الجانبين الهدنة التجارية البالغة 90 يوماً.

لكن من المتوقع أن تكون الاحتكاكات بين الاقتصادين الأكبر حول العالم متعلقة بسياسة الصين الصناعية وأن تستمر المنافسة بشأن الدور القيادي عالمياً حول التكنولوجيا على المدى الطويل.

كما من المرجح أن نشهد توترات تجارية مع الاتحاد الأوروبي في ظل التهديد الأمريكي حول فرض تعريفات على السيارات.

وعلى صعيد الاقتصادات الناشئة، فإن المخاطر الخاصة بكل دولة وصلت إلى ذورتها في العديد من تلك الدول لكن مع ذلك يجب مراقبة الانتخابات في الأرجنتين والهند وإندونيسيا وجنوب إفريقيا.

ويبدي التقرير تفاؤلاً حذراً تجاه أصول تلك الدول مع وجود احتمالات إيجابية بشأن أن الفيدرالي يقترب من نهاية دورته للتشديد النقدي وربما يوقف زيادة معدل الفائدة أو خفض ميزانيته العمومية في عام 2019.

لكن لا يزال الخطر الرئيسي لأصول الأسواق الناشئة أن يتبع الفيدرالي وتيرة تشديد نقدي بشكل أسرع مما تتوقع الأسواق ويجدد الدولار الاتجاه الصعودي فضلاً عن تشديد الأوضاع المالية للدول ذات الخصوم الإضافية.

كيف نستثمر في 2019؟

معدلات الفائدة المرتفعة تسببت في جعل السندات الأمريكية قصيرة الآجل مصدراً جذاباً لتحقيق الدخل، حيث تقدم سندات الخزانة لآجل قصير عائد يوازي تقريباً العائد المحصل من نظيرتها التي يحل موعد سدادها بعد 10 سنوات.

ويبدو الوضع مختلفاً بالنسبة للمستثمرين غير الأمريكيين، حيث ترتفع تكاليف التحوط من العملات للمستثمرين من منطقة اليورو واليابان، ما أدى إلى القضاء على ميزة العائد من الديون الأمريكية.

وتوجد علامات على دورة متأخرة في سوق الائتمان، حيث أن تكاليف في ازدياد وتكاليف المدخلات مرتفعة كما أن الشركات في النطاق الأدنى من الدرجة الاستثمارية "بي.بي.بي" قامت بإصدار مزيد من السندات من أجل تمويل عمليات إعادة شراء الأسهم وعمليات الاستحواذ.

وتفضل "بلاك روك" التعامل مع المخاطر الاقتصادية في الأسهم بدلاً من الائتمان، كما ترى أن السندات الحكومية الأمريكية مصدر للتوازن في المحفظة الاستثمارية.

وبالنظر للأسهم، تنصح "بلاك روك" بزيادة الوزن للأسهم الأمريكية وأسهم الأسواق الناشئة، مع الأرباح القوية للشركات بالنسبة للأولى وتراجع تقييمات الثانية مع يجعلها بمثابة نقطة دخول جذابة.

لكن التقرير أوصى بنقص الوزن في الأسهم الأوروبية بالنظر للمخاطر السياسية والاقتصاد الهش العرضة لتأثيرات أيّ ركود اقتصادي مع نظرة محايدة لأسواق اليابان.

وفيما يتعلق بالنفط، فإن "بلاك روك" تتوقع استقرار أسعار الخام بعد أن دخل مرحلة السوق الهابط بفعل المعروض الإضافي.

لكن من المؤكد أن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وروسيا يمكنهما معاً إدارة هذا الوضع عبر خفض الإنتاج النفطي مرة أخرى.

وعانت الأسهم والديون ذات الصلة بالطاقة بدرجات مختلفة مع خسائر الخام لكن تعد أسهم الشركات العاملة في تخزين ونقل مفضلة كما أن هناك فرص طويلة الآجل في شركات خدمات حقول النفط.

ويرى التقرير أن النفط بالقرب من مستوياته المتدنية ما يعني أن أسهم الطاقة تبدو جذابة، حسبما أفاد التقرير.

وبالنسبة للعملة الأمريكية، فإن الدولار قطع شوطاً طويلاً في إعادة جذب انتباه المستثميرين في عام 2018 ومن غير المعتقد أن يشهد مزيداً من الزخم.

وتبدو عملات الأسواق الناشئة أكثر جاذبية بعد موجة بيعية حادة ضربتها في عام 2018، حيث أن العديد من الاقتصادات النامية في وضع أفضل لتحمل الصدمات مقارنة مما كانت عليه خلال الأزمات السابقة.

ويمثل نهج أكثر حذراً من جانب الفيدرالي أو أيّ تخفيف للتوترات التجارية عوامل محفزة لعملات الأسواق الناشئة.

ولكن هل يمكن أن يرتفع الدولار؟ في حال شهد عام 2019 عدد عمليات رفع لمعدل الفائدة تتجاوز توقعات السوق أو حدوث سعي قوي للابتعاد عن الأصول الخطرة.