الاخوان : هدوء ما قبل «المشاركة»!

 

 


فيما غاب «الاخوان» عن الشارع في الجمعة الثالثة من رمضان، كانت «نبرة» المراقب العام الشيخ همام سعيد هادئة تماماً في كلمته التي ألقاها امام المدعوين «للافطار»، لم ينتقد كالعادة الاداء السياسي للحكومة، ولم يتوقف عند التعديلات على الدستور، ولم يناقش «مسيرة» الاصلاح، واكتفى- فقط - بخطاب عام خالٍ من «الدسم» السياسي وغير مشغول بالتفاصيل.

هذه - بالطبع - ليست مصادفة ولا مفاجأة ايضاً، فقد كان البيان الذي أصدره حزب الجبهة بعد صدور التعديلات، فيما تسربت أخبار عن لقاءات بين قيادات في الجماعة ومسؤولين كبار في مطبخ القرار السياسي، وسمعنا من رئيس مجلس الاعيان «كلاماً» دافئاً عن الاسلاميين بعد أن خرجت تصريحات من أحد المسؤولين في عكس هذا الاتجاه.

بعد سبعة شهور من الحراك الشعبي الذي شارك فيه «الاسلاميون» بقوة، تقف «الجماعة» الآن في «برج» المراقبة، صحيح أن ما أنجز حتى الآن على صعيد الاصلاح «لم يلبِّ طموحات الشارع تماما - كما يقولون -، لكن يبدو ان «الوصفات» التي قدمت يمكن البناء عليها، ويمكن تطويرها ايضاً، واذا كانوا قد أحجموا فيما مضى عن المشاركة، فان ثمة حقائق جديدة تدفعهم الى الدخول على الخط، حتى وان كان ذلك من وراء الكواليس.

المشهد السياسي يبدو واضحاً نسبياً، ففي الربع الاخير من هذه السنة سيتم تحرير التعديلات الدستورية وانجاز قانوني الانتخاب والاحزاب، وسيصار الى حل البرلمان ثم استقالة الحكومة، والسؤال: هل سيشارك الاخوان في الحكومة الانتقالية التي ستتولى التجهيز للانتخابات أم انهم سيفتقرون الدخول الى الحكومة من بوابة البرلمان، اعتقد ان «عجلة» مشاركة الاسلاميون بدأت تدور، وبأنها ستتصاعد تدريجيا. في هذا العام سنشهد نوعاً من «التفاهمات» بين الاخوان والدولة، وهي - على ما يبدو - قد بدأت فعلاً، وربما كان حضور أحد الشخصيات السياسية المرشحة لموقع سياسي مهم حفل افطار «الجماعة» للمرة الاولى يحمل اشارة سياسية بوجود «قنوات» حوار مفتوحة في هذا الاتجاه.

وفي الشهور القادمة، ربما تم تتويج هذه «التفاهمات» لتأخذ شكل التحالفات، بحيث يشارك الاسلاميون بفاعلية في صناعة القرار، ويتم ادماجهم في الحكم، وهي «وصفة» تغريهم الآن على قبول «برنامج» الاصلاح المطروح، بشرط ان تتوفر له الادوات والحوامل المناسبة لتحويله من دائرة النظر الى العمل، ومن المقررات الى الممارسات.

ثمة عوامل مختلفة تدفع الطرفين: الدولة والاخوان، الى «المصالحة»، على صعيد الدولة هنالك حسابات سياسية ترى ان خروج الاخوان من دائرة «الاحتجاج» سيعيد للشارع هدوءه، وان «ادماجهم» واستيعابهم سيمنح الدولة فرصة للتعامل مع مشهد عربي أخذ الاسلاميون فيه نصيباً كبيراً من الحضور والتأثير، سواء في مصر أو تونس أو ليبيا أو حتى سوريا، زد على ذلك ان «بقاء» الاخوان خارج دائرة «المشاركة» سيجرح «شرعية» أي انجاز سياسي يمكن الوصول اليه..الخ، أما على صعيد الاخوان فهنالك ايضاً حسابات سياسية لديهم تجعلهم اكثر انحيازا «للمشاركة» لا «للقطيعة»، وربما تكون تجربة السنوات الماضية دافعاً أساسياً نحو ذلك، كما ان بقاءهم في «المنطقة الرمادية» التي آثروا البقاء فيها طيلة الشهور الماضية لا جدوى منه في ضوء المستجدات والتغييرات التي اجتاحت عالمنا العربي وبلادنا ايضاً.

المطلوب الآن ان نخرج من دائرة «الاستفزاز» والاشتباكات غير المفهومة، وان نكف عن تجريح الاسلاميين وتأنيبهم، لنساعدهم على الالتزام «بنبرة» الهدوء، وندفعهم الى المصالحة بمنطق الاقناع، وهذا ما أعتقد اننا سائرون اليه في المرحلة القادمة.. وأرجو ألاّ أكون مخطئاً.