حراك الدوار الرابع

قبل الحدیث أذكر، أن الولاء والوطنیة ھما صفات وراثیة یمنع العبث بمصفوفاتھما باعتبارھما جزءا من الخارطة الجینیة نولد فیھا ونتصرف بعفویتھا وقد نختلف بتفسیر مكوناتھا ولكن یمنع التشكیك بترجمتھا، ویمكننا التعبیر عنھا بطرق متعددة، والاحتجاج السلمي ھو شكل حضاري من أشكال التعبیر الدیمقراطي الذي كفلھ الدستور العصري للدولة الأردنیة بھدف نقل مطالب الشعب لمؤسسات صناعة القرار ضمن أسس من الھتافات والخطب والسلوكیات الملتزمة بلغة الحرص المسؤولة لعرض تلك المطالب بلسان من تمثلھ تلك الجماعات، وقد كان لنجاح حراك الدوار الرابع السابق بإستقالة الحكومة السابقة دافع ومثال للمزید ضمن ظروف المتغیرات التي نعیشھا داخل مساحة ھذا الوطن، بل ومشجع لسلوك مستقبلي قادم للبعض، أسوة بنماذج شاھدناھا في دول متقدمة وإنني على یقین أن نجاح الحراك الأول ھو حصاد طبیعي لتجمع وطني تكاتف تحت مظلتھ فئات الشعب الواحد یجمعھم بظاھره الخوف من قانون ضریبة الدخل المثیر للجدل ومسبب شرارة الاحتجاجات وبروز الدوار الرابع كمحج للاحتجاجات السلمیة الیومیة والذي تسبب باستقالة تلك الحكومة نتیجة عدم التوافق على بنوده في ظروف حیاتیة صعبة فجاء تشكیل الحكومة الحالیة لتواجھ ذات القانون المثیر للجدل وھو نفس القانون الذي أقره مجلس النواب الموقر بالرغم من التصریحات والاجتماعات المتعددة التي تتعھد وتلوح بحتمیة التغیر للمضي بإقرار القانون إلا بإطار ضیق من تعدیلات لغویة بفقرات یصعب تحلیل مفرداتھا ومعادلة حسابیة صحیحة النتائج بكل الاحتمالات، وربما إقرار القانون بصیغتھ القدیمة قد أشعل لغة الحراك من جدید بدعوة للتجمع على مساحة الدوار الرابع فكان استجابة العشرات التي تضاعفت خلال الأیام اللاحقة لتقفز لحاجز الآلاف بعفویة وحرص، تحتضن في عضویتھا من المشاركین جمیع أطیاف مكونات الشعب ومن كافة المناطق بعامل مشترك مغلف بالھم الوطني للتعبیر .عن رفضھا للقانون ثم ارتفع سقف المطالب وھتافاتھ بالمزید الذي ربما یكون نتیجة لظروف الواقع أو ملحقا للمرحلة التالیة من الحراك الحراك الأول كان أنموذجا حضاریا بكل معنى الكلمات بواقع الالتزام والحرص من جمیع المشمولین بذاك الحراك؛ أطیاف المكونات للشعب والأجھزة الأمنیة الحریصة على سلامة النجاح بدون صدام أو أذیة، صورة مثالیة بالالتزام وربما تلك الصورة التي ذاع صیتھا عالمیا للالتقاء بین أحد الحراكیین المحتجین مع شقیقھ من قوات الدرك صنعت ابتسامة وأسست لرغبة تصھر الصعاب في سبیل تحقیق المطالب التي تضمن العیش الكریم للجمیع، وكنا نتمنى أن تستمر مسیرة الحراك الثاني الحالي بنفس الوتیرة، تُعزف بسیمفونیة الحرص بتناسق یعطي اللحن معنى قیما وعظیما، ولكن الأمنیات أحیانا یقذفھا بركان الأنین بنیازك القھر، فالمسیرة السلمیة تعرضت لمحاولة فاشلة لإغتیالھا وتشویھھا بھدف إرغامھا على الانحراف عن الطریق، حیث كان ھناك محاولة لبعض التیارات أو الجماعات التي تمثل تجمعات فكریة محوصلة بدخول دائرة النجاح والقفز لحلبة المسرح بھدف سرقة الأضواء أو حصد ثمار جھود الآخرین واقتناص الفرص، كما أن انحراف المسیرة لواقع الصدام مع أفراد الأجھزة الأمنیة قد شكل منعطفا خطیرا نحن نرفضھ ونحاربھ بغض النظر عن المسبب، فذلك خط أحمر لتشویھ سمعة الأردن الدولیة بما ُعرف عنھ من استقرار وثبات حتى بظروف لھیب النار المشتعلة في جمیع دول الجوار إبان فترات ثورات الربیع العربي المؤسفة، وربما أنني قد صدمت عندما تناقلت الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي وشھود العیان عن حدوث صدامات بین المحتجین وقوات الأمن المكلفة بالمحافظة على سلامة الاحتجاج نتیجة محاولات البعض إغلاق بعض الطرق الفرعیة في منطقة الاحتجاج لیقفز للمتابع سؤال منطقي عن المستفید لمثل تلك السلوكیات السلبیة، وللاجابة عن ھذا الطرح والتساؤل لا بد من المرور لتحلیل مكونات الحراك قبل رصد ھتافاتھم والوقوف علیھا بھدف فرزھا لمجموعات المنطق والصعب شریطة عدم شمول الحصاد الفردي كھدف ونتیجة، كما أن ھناك استغرابا من نوع آخر یمثل محاولة متواضعة بقطع وسائل الاتصال في منطقة الحراك وخدمات الھواتف

 
.الخلویة في عالم أصبح قریة صغیرة لست شاھدا على فعالیات الحراك وأكتفي بنقل ما سمعت على لسان الأصدقاء والمشاركین، فھناك تمثیل لجمیع مكونات الشعب الأردني بمنطقة الدوار الرابع ومن جمیع محافظات المملكة بعامل مشترك یتصف بالحرص على سلمیة الحراك وضرورة إرسال المطالب لأصحاب القرار كنتیجة منطقیة لزیادة أعباء الحیاة وتناقص مصادر الدخل، وعندما نقول جمیع مكونات الشعب ذكورا وإناثاً، فذلك یتضمن العامل والموظف والعاطل عن العمل، أفراد المھن الخدماتیة؛ الطبیب والمھندس والمحامي والمعلم والسائق وغیرھا، التاجر والمزارع والصانع وأصحاب رؤوس الأموال، الصغیر والشاب والكھل، مجتمع متجانس یعكس بالعموم حرص الجمیع على مقدرات الوطن وسمعتھ، وتأكیدھم على استمراریة الحراك بأھدافھ الأصلیة التي بدأت بالمطالبة بتجمید قانون ضریبة الدخل لانعكاساتھ السلبیة على أبجدیات المتطلبات الحیاتیة، ثم أنجبت المزید لمحاسبة المقصرین والمتنفذین، محاربة الفساد بجمیع أشكالھ لوجود شكوك برعایة لفئة من ھؤلاء، بذل جھود حقیقیة لجلب أفراد متھمین بضرر الاقتصاد الوطني وتمتعھم بحمایة ساھمت وسھلت لھم خطوة فرارھم، وربما یحضرني ھنا تصریح سابق لدولة الرئیس الرزاز عندما شخص المشكلة الأساسیة لجمیع مشاكل الدولة الأردنیة بإنعدام الثقة بین المواطن والحكومة، وأعتقد أن ذلك ھو التشخیص الدقیق لسبب الاحتقان وربما النداء الذي وجھھ معالي الدكتور جواد العناني عن الواقع المأساوي لسوق عمان المالي والبدء الممنھج لھروب رأس المال بخسارة بلغت ملیار دینار أردني بشكلھا المبدأي ومناشدتھ لجلالة الملك لتجمید القانون الطارد للاستثمار بأجواء مستقبلیة لا تحمل ریاحھا أمطارا، بل ویشكل ذلك جدارا مانعا لجذب رؤوس الأموال للاستثمار، ویسجل للحكومة اختیارھا كصاحبة الولایة العامة لأسلوب الحوار مع مجموعة الحراك للاستماع والمناقشة درجة مستحقة من الثناء وھي تعرف سلفا مطالب الحراك دون التعھد باستجابة مرضیة، لیجعل من معطیات معادلة الحرص الوطني للأطراف تمتعھا بمزید من الضبایبة والتوتر والاصطدام، فسیف التھدید المبطن والسلوك على أرض الواقع للأطراف یعقد الأمور ویدخلنا جمیعا في نفق الخوف بقلق وأذیة، فما ترشح عن أجندة اللقاء یحتاج لاحترام بمضمونھ إن كان كتعلق بمطالب الشعب في الحراك والمنازل، وتسلم دولة الرئیس جملة المطالب الأساسیة بدأ بالضریبة ومرورا بفاتورة الكھرباء ذات البنود السحریة بعد استعراض أسعار المشتقات البترولیة بمعادلتھا السریة التي لم یتبرع مسؤول بتوضیح أسسھا، فجعل من لغة الاحتجاج والحراك وصفة لامتلاك السیادة والارادة برفع سقف المطالب لتغییر النھج الاقتصادي، وربما نحن الیوم أمام امتحان یمكن تسجیل النجاح فیھ بدرجة كاملة كنتیجة للحرص لأطراف المعادلة إذا سلمنا أن مطالب الشعب لیست مطالب تعجیزیة ویمكن تلبیتھا لاحداث التغییر المنشود بحیاة الناس حتى لا یُمنح للبعض ذریعة التصعید والتصید ضمن بحار العواطف والمصالح، وعلینا استنباط الحكمة من خطوة جلالة الملك توقیتا ومحتوى عندما أوعز للحكومة بضرورة الاسراع بإصدار قانون العفو العام كمتطلب شعبي یخفف من المعاناة والاحتقان ویمنح المخطئین فرصة التوبة والاصلاح، كما أن جلب المتھم عوني مطیع، یؤكد الموقف الملكي الصلب لكسر ظھر الفساد،فصمود الأردن ودوره المحوري مستھدف وربما إثارة الفتن الداخلیة وسیلة رخیصة یغذیھا .البعض بفتیل الخلافات أكرر وأحذر بأن الخروج اللیلي وسط عواصف الشتاء العاتیة ببرده وعواصفھ وفي بیئة تحتضن أمنیات وطنیة تتشابك وتتراصص وتتوحد فیھا ھتافات الحناجر حیث خرج الاردنیون بقرارھم المنفرد الى الدوار الرابع مرة اخرى بدون رعایة أو وصایة حزبیة أو نقابیة أو مؤسسیة أو نیابیة، بعد تسجیل نجاح مستحق في المرة الأولى قبل ستة أشھر واقع یستحق الوقوف على فقراتھ وقرائتھا جیدا لمعرفة الأسباب والنتائج، كما أن خروجھم الیوم بواقعھ لنفس الأسباب في نسختھ الأولى مع تراجع سلبي واضح بالقدرة الشرائیة المغلفة بالخوف من الغد نتیجة ارتفاع الضرائب وارتفاع الأسعار، صنعت إجماعاً على الاحساس بالبطالة والفقر وتدني مستوى الخدمات، واقع یجعل الجمیع أمام ظروف الامتحان للنجاح والتقدم بسلاسة لإعادة ثقة مھزوزة، وربما أجد نفسي أكرر مطالبي بضرورة الجدیة بتشجیع الاستثمار لفتح مجالات بسوق العمل، وتخفیض أسعار الكھرباء والمشتقات البترولیة، والمحافظة على العلاقة السلمیة مع الأجھزة الأمنیة ھي خطوات كفیلة بعودة الثقة بمؤسسات الدولة، یلیھا تحلیل واقعي لمفردات الأزمة الحالیة بتشخیص یسمح بالعلاج الشافي، شریطة المحافظة على مؤسسات الدولة ومكتسباتھا وھیبتھا حتى لا یفسر البعض انتصارا بالاستقواء، فشعبنا طیب للغایة ومتسامح والدولة القویة .ھي التي تضمن لنا الحیاة الكریمة بسلام وأمان وعلینا واجب المحافظة على مقدراتھا وحمى الله أردننا بقیادة ملیكنا المفدى